استدعت الإنقاذ بالأمس عنفوان البدايات، واستعرضت عضلاتها الجهادية، بقاعة الصداقة في مشهد وظف إرثها القائم على الاعتداد بسيرة الشهداء وماضي الجهاد وقصص المجاهدين. الرئيس البشير التقى الطلاب المجاهدين من أصحاب السهم الوافر في بقاء الدولة، وقد تزامن خطاب الرئيس مع التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة وما أسفرت عنه من تداعيات أدت إلى خروج تظاهرات واحتجاجات في مناطق متفرقة بالعاصمة. الراجح أن للإنقاذ التي مرت بتحديات كبيرة في مسيرتها بنكاً قيمياً تلجأ للاستدانة منه كلما ادلهمت بها خطوب الواقع، فورقة الطلاب ظلت رابحة وراجحة استطاعت أن تعبر بها الحكومة كثيراً من المطبات خلال مسيرتها الماضية. البشير الذي تحدث لأول مرة عن الاحتجاجات بدا واثقاً من أنها لن تهز شعرة في الإنقاذ، استناداً على حيثيات وقناعات أجملها في قوله: إن الربيع العربي مَرّ بالسودان منذ القرن الماضي وإن الشعب السوداني (شعب معلم) لا يقلد الآخرين، وإنه لا يخاف من شئ طالما أن الله وحده هو الرازق وهو الذي (يؤتي الملك من يشاء وينزعه مِن مَن يشاء) وان قناعاته كمؤمن تراهن على (الميتة المجيّهة)، وفوق هذا وذاك فإن الجهات التي تنفذ الاحتجاجات الآن جهات معزولة ومحرضة و(المحرش ما بكاتل). البشير لم يلجأ للاستعانة بمركز لاستطلاع الرأي، ولم يركن كذلك إلى التقارير الأمنية وإنما ذكر أمام الحضور أنه خرج بسيارة مكشوفة وطاف الخرطوم ليرى بأم عينه حجم التظاهرات التي تشتعل بالعاصمة، وقال إن كل من التقاه كان داعماً للحكومة بالتكبير والتهليل. الرئيس خاطب الطلاب بلغة معقولة تحتاجها الساحة السياسية بعيداً عن دغدغة المشاعر والاستقطاب السالب، فقد هدأ من ثورتهم على من يحرقون الإطارات، وقال إنّ الدولة ستحول بين المتظاهرين - والطلاب المجاهدين باعتبارها حكومة مسؤولة ستتعامل مع مثيري الشغب عبر الواجهات الرسمية. ناي الحكومة عن توظيف حشدها المجاهد في التعامل مع المحتجين توجه مسؤول، يجافي توقعات بعض الدوائر التي ربما فهمت من اللقاء أنه محاولة من المؤتمر الوطني لإنزال قواعده إلى الشارع، والراجح حتى الآن أن الرئيس وحده هو من نزل إلى الشارع. مرسي رئيساً لمصر .. ويشرق في الكون فجر جديد العملية الانتخابية المصرية التي انتجت محمد مرسي رئيساً للجمهورية في أرض الكنانة الشقيقة تعتبر أكبر تجربة ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي، وتكفي هذه المعلومة لإدراك القيمة الكبيرة والأهمية العظمى لانتخابات الرئاسة في مصر. كان جيداً أن أعلنت جماعة الإخوان المسلمين انتهاء الصلة التنظيمية بينها وبين مرسي فور إعلانه رئيساً، فالرجل بمنطوق الواقع ومفهوم السياسة أصبح مسؤولاً عن كل المصريين أقباطهم قبل مسلميهم، وعوامهم قبل خواصهم، وفنانيهم قبل الأزهريين منهم. الهندسة التي تشرّب بها مرسي في مدارج الجامعة طالباً ثم مدرساً تفرض عليه تصميم معادلات تجسر علاقته بالعسكر حتى لا تحتاج الديمقراطية المصرية إلى وصاية كالتي يمارسها العسكر في تركيا على العلمانية. الطائفة القبطية والتيارات الليبرالية تداعب مخيلتها مخاوف من التواري عن المشهد السياسي بفعل الوجود الكثيف للإخوان والسلفيين في الجهاز التشريعي ومؤسسة الرئاسة المصرية، وليس هناك من يهدئ من روع هذه المجموعات إلاّ مبادرات عملية جريئة من مرسي. الثمانون عاماً التي قضتها جماعة مرسي خلف القضبان ممنوعة من العمل السياسي، مأخوذة بالشبهات والظنون، فيها من المواعظ والعبر ما يكفي لعدم تكرار تجربة الحرمان مع مكونات المجتمع المصري المخالفة للإخوان في الرؤى والتكفير. نتمنى أن يضع مرسي أول لبنات الاستقرار لمصر الشقيقة، ويمنح عجلة العلاقات السودانية دفعة جديدة في الاتجاه الصحيح.