أعجبتني والله جلسة (الجَبَنَة) العفوية بين والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر ومواطني الرميلة والقوز أمس، فقد كانت أنموذجاً لعلاقة واعية تحتاجها الدولة كثيراً في ظل الظروف الراهنة، إذ ظللنا ننادي كثيراً عبر هذا المنبر بضرورة أن يتنزّل (الحنان الحكومي) على المواطنين في مساكنهم وأسواقهم وأماكن عملهم، في شكل برامج مستمرة تجعل من الإخوة المسؤولين في مُواجهة يومية مع الظروف التي يواجهها المواطن. د. الخضر أبلى بلاءً حسناً خلال المرحلة المنصرمة وهو يتحمّل عبء الإجراءات الاقتصادية في عاصمة يسكنها ثلث سكان السودان، وقد كشف عن شعور مُتنامٍ بهموم المواطن من خلال حزمة المعالجات التي أعلن عنها ومن واقع تفهمه لأسباب احتجاج المواطنين ودعوته الجهات الأمنية للتعامل معها بتفهم يستصحب قسوتها وانعكاساتها على واقع الناس. قيمة التكافل التي ظللت فضاء الجلسة بأشواق عفوية لمدينة فاضلة، كانت حاضرة في تلك الجلسة، والمواطنون يعلون من هذه القيمة في هذا التوقيت الحرج من تاريخ السودان، كما أن المداخلات تنوعت مُعبّرةً عن رؤى سياسية متباينة تختلف في التوجهات والأفكار لكنها تتفق على هذا الوطن، وعلى أن يظل إنسانه متميزاً بمبادراته الخيّرة وصولاً لمجتمع مثالي يحقق صورة فاضلة للإنسان السوداني. في ولاية مثل الخرطوم ليس من المنطق أن تسوس الناس من المكاتب المكندشة وتطلق القرارات هكذا جزافاً دون أدنى إحساس بالواقع، الخضر أدرك هذه المسألة وبات يقترب أكثر من الرعية، وربما كان هذا الإحساس هو الذي يوجه سياساته على هذا النحو المنفعل بوطأة الظروف الاقتصادية على المواطنين، حكومة الخرطوم يفترض أن تتخذ من أحياء الولاية مقراً دائماً لعقد الاجتماعات وتدوين الملاحظات وملاحقة أوجه القصور ومتابعة واقع المواطنين بشكل يومي، وهذا جهد مطلوب خلال المرحلة القادمة. (حكومة العنقريب) هي الأفضل للخرطوم، والجلوس إلى المواطنين في كل مكان سينتج علاقة متقدمة بين الحاكم والرعية، الوقوف على أوجاع المواطنين عن قرب يفترض أن تكون إستراتيجية الخضر في الفترة القادمة، لأن التقارير الباردة لا تتواءم مع طبيعة الأوضاع الساخنة، كما أن الأرقام التي تخضع ل (مكياج) الخصم والإضافة وفقاً لما يطلبه بعض المسؤولين ستضاعف من معاناة الناس وستعرض مصداقية الدولة الى مُضاعفات لا يحتملها المشهد العام. الخضر وآخرون مطالبون بتشكيل وجودٍ كبيرٍ وسط المواطنين في أسواقهم وأماكن تبضعهم ومواقع عملهم وسكنهم، فالتلاحم بين القيادة والمواطنين سيقود إلى علاقة تشحذها الهمة ويغمرها الوفاء المتبادل، أخرجوا عن مكاتبكم، جالسوا العامة واستمعوا إلى هموم غمار الناس، طمأنوا الضعفاء والمساكين والمغلوبين، تابعوا تنفيذ ما أعددتم من برامج لامتصاص آثار المعالجات الاقتصادية (رقم رقم وجنيه جنيه زنقة زنقة وحارة حارة وبيت بيت)، استخلصوا آثارها من عيون الناس وأقوالهم، أرحموهم بأفعالكم وتواصلكم، فالمواطن السوداني مازال يثق في أن (الراعي واعي) وينتظر الكثير.