أمس الأول كان الرئيس عمر البشير يتجوّل بلا حراسة في موقف المواصلات متفقداً أوضاع الناس عن كثبٍ، السيارة التي لم تكن مظللة مكّنت المواطنين من تفرس قَسَمات وجهه وهي تتغيّر لحظة مشاهدة الموقف وهو مكتظ بالمواطنين وسط غياب كامل لوسائل المواصلات، الزميلة (آخر لحظة) نقلت أن سيارة الرئيس كانت تتنقّل ببطء بينما كان البشير يرتدي الزي القومي. وصول الرئيس إلى الموقف يختصر (الموقف) تماماً ويُعبِّر عن إحساس مُتنامٍ من قِبَله بمُعاناة الناس، الأمر الذي يعزز صورة إيجابية ظلت تُميِّز الرئيس وتدفع به إلى مقدمة الزعماء ذوي الحظوة الشعبية، الزيارة كذلك تشير بوضوح إلى ما ينتاب الدولة في قمتها من هواجس جرّاء المُعالجات الاقتصادية التي حتمت جراحات ترى أن بديلها سيكون أقسى من المضاعفات الحالية. من المؤكّد أنّ زيارة الرئيس ستجد التقدير في أوساط المواطنين، لكنها بالطبع لن تكون كافية لتهدئة الخواطر الشعبية المهمومة بما سَتَترتّب عليه الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، فحراسة السوق بواسطة الجهات الرقابية، أمرٌ مهمٌ خلال المرحلة المقبلة لأنّ جهات كثيرة ما زالت تتربّص بالمواطن وتنتظر استثمار هذه الأجواء بالقدر الذي يُمكِّنها من الانقضاض عليه وسحق دخله المهدود. من المهم جداً أن تكون الدولة قريبة من المواطن في سعيه لضمان عيشه الكريم تكفكف دموعه وتزيل مخاوفه وتدعمه وتسانده عبر تفعيل آليات الرقابة والمتابعة اللصيقة لحركة الأسواق والبضائع التي بدأت تأخذ طريقها نحو الإخفاء والتخزين. زيارة الموقف عزّزت قيمة الرئيس الشعبية وقد تزامنت مع تحولات تاريخية تستلزم إحساساً مضاعفاً من قبل القيادة بهموم الناس، الرئيس بوصوله الموقف بعث برسائل مُعبِّرة يفترض أن يتسابق كل المسؤولين لتوصيلها إلى المواطن خلال المرحلة المقبلة، فقضايا الناس تحتاج إلى غرف ميدانية لمتابعة شؤونهم في الأسواق ومواقف الموصلات وفي المستشفيات، إذ أن الاقتراب منها سينتج علاقة مختلفة يمكن أن تعبر بالسودان هذه المرحلة الصعبة من تاريخه، كما أنّ الابتعاد عنها وتركها عرضةً للتلوث بمشاعر سالبة أمر ربما أدخل البلاد في أزمات متلاحقة. مازالت الأوساط تتذكّر يوم أن تجاهل الرئيس قيود البروتوكول وترجّل من سيارته وخاطب مواطني كوبر الذين كانوا يحتجون على حادث مروري تعرّضت له ثلاث تلميذات مطالبين بمطبات على الشارع، لحظتها وجّه الرئيس بتنفيذ رغباتهم فوراً، كما أنّ التحامه بالمواطنين يوم تحرير هجليج ولحظة أعلن أوكامبو توقيفه دون اكتراث للبروتوكول كان استفتاءً حقيقياً لشعبيته في أوساط المواطنين. المطلوب من كل المسؤولين النزول إلى الشارع والاستماع إلى شكاوى المواطنين عن كثبٍ وتفقد أحوالهم مثلما فعل الرئيس، المطلوب الآن من كل الوزراء تفقد المواطنين في أحيائهم ومنازلهم وأماكن تجمعاتهم، السودان يحتاج إلى حكومة تتعامل مع الأزمات الراهنة من الميدان وبعيداً عن المكاتب المكندشة والتقارير الباردة والأرقام التي تقول إن (كل شئ تمام يا سعادتك)، السودانيون يستحقون أن تخدمهم حكومتهم حافية القدمين لأنّهم شَعبٌ يستحق كل خير.. الأعزاء المسؤولون، اقتدوا بالرئيس واقتربوا من الناس فالشعب يريدكم في الشوارع