القمة السودانية المباغتة في أديس أبابا ليست أكثر من فقاعة إعلامية. تأثير لقاء البشير وسلفاكير لم يتجاوز ردهة الفندق الإثيوبي. المباهاة بإنجاز الاجتماع خارج أطر الجهود الإفريقية يجعله أكثر عرضة لإبتسار. مساعدو الرئيسين تغنوا بالتئام القمة على الطريقة السودانية في محاولة لإسباغ التلقائية عليها. هو بالفعل لقاء استلهم عفوية السودانيين في الشمال والجنوب، إذ تصافح الرجلان بابتسامات عريضة خالية من الدلالات العميقة.إجتماع رئيسي السودانيين في أديس أبابا لقاء عابر من المستحيل الرهان عليه بغية تحقيق إختراق سياسي يتجاوز ركام الخلافات العالقة بين الطرفين.إذ تفادى الرئيسان الركون إلى وساطة إفريقية مؤسسة. فمن شأن مثل هذا الجهد أن يلقي التزامات على كاهليهما وإجبارهما على تنازلات تبدو عصية عليهما.إجتماع البشير وسلفاكير في أديس أبابا لقاء عابر يمس المزاج السوداني الشعبي، ولا يلج دائرة الفعل السياسي.تضاعيف أزمة السودانيين في الشمال والجنوب طويلة الأمد، تشربت بالدم، واشتملت على أشكال الإنكسارات المتباينة، غير أنها لم تسقط إلى درك القطيعة إلا في عهد الرئيسين. ثمة رغبة شعبية عارمة على مستوى البلدين لمغادرة هذه الهاوية. بما أن الرجلين لا يستطيعان تجاهل المزاج الشعبي الصارخ، فقد عمدا إلى مغازلته بهذا اللقاء العجول.هو كذلك لقاء أملاه واقع نظامين منهكين بفعل القطيعة المفروضة في ظل الأزمة المستفحلة بين الجانبين، يعايش الشعبان، في الجنوب ظروفاً حياتية قاسية اضطرت النظام في الخرطوم لمراوغتها بإلقاء مزيد من الأعباء المالية على الشماليين. في المقابل توغل الجنوبيون في مستنقع الجوع والحرمان على نحو بدد كل الآمال المعلقة على دولة مستقلة.لو أراد البشير وسلفاكير التجاوب الحقيقي مع الرغبات الشعبية لاتخذا مثلاً قراراً بإعادة فتح الحدود بين الجارتين. من شأن ذلك ضخ الدم في العروق المتيبسة. ذلك قرار لن يكلف الدولتين أعباء، بينما يعيد تدفق حركة التجارة بين الشعبين، ومن ثم تخفيف وطأة الأزمة الحياتية. هو قرار يعبِّر في الوقت نفسه عن جدية الرئيسين لجهة عبور القطيعة، كما يبث الأوكسجين في رئة المفاوضات المعطلة.التزام الرئيسين الصمت عقب لقائهما في الفندق الإثيوبي يعكس عمق الأزمة، ولا يؤشر إلى قرب إنفراجها. مساعدون للرئيس تولوا مهمة توضيح ما جرى داخل القمة. من شأن هؤلاء محاولة بيع الإعلام بضاعة مزجاة، فجاءت تصريحاتهم وعوداً كذوبة عن إستراتيجية لا يمكن طبخها في لقاء على عجل.النظامان في الخرطوم وجوبا أسيرا تيارين يتعمدان توسيع الشقة بين الشعبين في الشمال والجنوب. هم الرجال أنفسهم المسؤولون عن تفريغ إتفاق نيفاشا من مضمونها الوحدوي. هم أنفسهم الذين أفسدوا المرحلة الإنتقالية بتأجيج الخلافات إبانها. هم أنفسهم عمدوا إلى مراكمة الخلافات على الحدود بعد الإنفصال. هم رجال وراء الرئيسين إستمرأوا لعبة عض الأصابع، بينما يمارس الشعبان الصراخ.