يعرض هذه الأيام في عدد من السينمات في مدينة القاهرة فيلم (حسن ومرقص) الذي كتب قصته يوسف معاطي وأخرجه رامي الإمام وقام ببطولته عمر الشريف وعادل إمام. الفيلم جريء يتعرض لمعالجة الصراع الظاهر والخفي بين المسلمين والمسيحيين الأقباط في مصر في قالب كوميدي لكنه جاد. وهو يحكيها من خلال قصة رجلي دين مسلم ومسيحي تجبرهما ظروف التطرف داخل مجموعتيهما على أن يرتدي كل منهما الزى الديني الخاص بالآخر في مشهد درامي. أنا شخصيا لا أحب استخدام كلمة رجال دين بالنسبة للدعاة أو لعلماء المسلمين، ففي الإسلام لا توجد طبقة رجال دين بدرجاتها المختلفة وطبقاتها كما في المسيحية. من المشاهد الواقعية أن رجلي الدين تعايشا وتفاهما وتعلقت اسرتيهما كل واحدة بالأخرى، لدرجة أنهما تشاركا في عمل تجاري بينما رفض كل منهما أن يشارك واحداً من أبناء دينه. وتعلقت ابنة هذا بابن ذاك. كانت ابنة المسلم الذي يتظاهر بالمسيحية هي التي تعلقت بالابن المسيحي، ولكنها في زلة لسان قالت له إنهما لا يمكن أن يتزوجا، فأراد أن يفرحها فأفضى إليها بالسر الكبير وهو أن الموانع التي تتخيلها غير حقيقية، أو لا وجود لها، فهو ليس مسلما وأسرته ليست مسلمة وإنما هم مسيحيون، وأن أباه قسيس. وكان للخبر وقع الصاعقة عليها وعلى أسرتها، فأسرتها مسلمة وهي متدينة ولا يمكن أن تتزوج مسيحيا، فتدهورت العلاقات بين الأسرتين، وانفصلا تماما وأغلقت الأبواب التي كانت مفتوحة بينهما. وعندما خرج الأب لصلاة الفجر في المسجد أغلق باب البيت بالمفتاح، فاندلع حريق في البيت وأصبح ليس في امكان الاسرتين الخروج من البيت، وأمام الخطر تعاونت الأسرتان على كسر الباب وخرجوا جميعا من البيت ونجوا من الحريق. الفيلم بعكس كثير من الأفلام العربية يموج بحركة قوية أو ما نسميه بال (action) ولا يرضى بأن يقدم فكرته في شكل نقاش وإنما من خلال مشاهد عملية، وهذا ربما كان من أهم أسباب نجاحه. استطاع الفيلم أن يوصل فكرته البسيطة بوضوح. الفكرة تقول إن المجتمع مشحون بأفكار مسبقة غالبا لا تتطابق مع الواقع. الواقع يقول إن المسلمين والأقباط عاشوا حياة مشتركة عبر التاريخ لكن تدخلت أسباب محلية وخارجية لتكبير الخلافات وتأجيجها، ووجد هذا التدخل من يتقبله من المتطرفين من الجانبين، وكان ما كان. عنوان الفيلم لا يبدو مثيرا لكنه يعكس حقيقة الحدوتة، وتحت العنوان صورة ضخمة لبطليه (عمر الشريف وعادل إمام) ويديهما مقيدتان بجنزير واحد من النوع الذي تستخدمه الشرطة. الصورة تعكس استفهاما افترضت الدعاية أن المتلقي غالبا يكون مدفوعا لمعرفة أسباب تقييد المسلم والقبطي بجنزير واحد. وبعد .. كأن الفيلم يقول إن التطرف لا وطن له ولا يرتبط بفئة دينية معينة كما يحاول البعض أن يربطة بالمسلمين، فكل فئة فيها المعتدلون وفيها المتطرفون .. أو على الأقل هذا ما خرجت به.