تعيش السينما السودانية حالة حزن على تساقط رموزها وروادها الاوائل في وقت لا تلوح في الافق بوادر اجيال وافلام جديدة يمكن الاتكاء عليها لاستكمال مشوار السينما السودانية الذي انطلق باكرا في منتصف القرن الماضى ولكنه تعثر وتراجع منذ سبعينيات القرن الماضى، وخلال شهر تقريبا رحل رائدان من رواد السينما السودانية حيث كان آخر الاحزان رحيل المخرج والمصور الرشيد مهدي، صاحب مؤسسة الرشيد للسينما بعطبرة، واشتهر الراحل بأنه منتج أول فيلم سينمائي طويل وهو فيلم (آمال واحلام) الذي قدم من خلاله أول ممثلة سودانية هي ليلى حسن، رحل الرشيد في 17 سبتمبر الجارى بمدينة عطبرة . وفي نهاية اغسطس الماضى رحل شيخ المخرجين السودانيين جاد الله جبارة ويعد جبارة من أبرز رواد السينما في السودان تصويرا ومونتاجا وإنتاجا وله من الأفلام (تاجوج) الذي حصد العديد من الجوائز إضافة لبعض الأفلام الوثائقية وفيلم (البؤساء) عن رائعة الكاتب الفرنسي فيكتور هوجو.. ومن سخريات القدر رحل جبارة قبل أن يشاهد عرض فيلمه الاخير البؤساء . ولكن رحيل جاد الله جبارة والرشيد مهدى ومن قبلهما كمال ابراهيم، ليس هو الحزن الوحيد الذي تكابده السينما السودانية، فاحزان السينما كثيرة وتفشل حتى ادوات السينما نفسها في التعبير عنها ومعالجتها، فالحركة السينمائية في السودان متوقفة تماما حيث لم نسمع منذ سنوات عن انتاج فيلم سودانى جديد ناهيك عن المشاركة بفيلم سودانى في واحد من المهرجانات السينمائية الدولية او الفوز باحدى الجوائز العالمية، ولا تزال السينما السودانية تقتات من رصيدها السابق ولا سيما فترة السبعينيات التى تعتبر فترة ذهبية في تاريخ السينما، حيث يرصد المؤرخون لفترات التماع هذا الفن السابع في السودان، عددا من الجوائز حصدتها السينما السودانية فقد فاز فيلم (الجمل) للمخرج ابراهيم شداد بجائزة النقاد في مهرجان (كان) عام 1986 وحصل فيلم (حبل) للمخرج نفسه بذهبية مهرجان دمشق في العام التالي. كما نال فيلم (ولكن الارض تدور) لسليمان محمد ابراهيم ذهبية مهرجان موسكو عام 1979 وفاز فيلم (الضريح) للطيب مهدي بذهبية مهرجان القاهرة للافلام القصيرة في 1972م. وشهدت السبعينيات - بحسب - ما أوردته وكالة رويترز للانباء - أيضا بدء انتاج الافلام الروائية السودانية. ففي عام 1970م أنتج القطاع الخاص أول فيلم سوداني هو (آمال وأحلام) للمخرج الرشيد مهدي. وتوالت بعده الافلام الروائية الطويلة فأخرج جاد الله جبارة فيلم (تاجوج) الذي نال جوائز في تسعة مهرجانات دولية واقليمية.. وأخرج أنور هاشم (رحلة عيون) في بداية الثمانينيات وفيلم (عرس الزين) عن قصة الاديب الطيب صالح والذي اقتصر العنصر السوداني فيه على التمثيل في حين كان كويتي الانتاج والاخراج. ورغم هذه المحطات المضيئة في تاريخ السينما السودانية ولكن الراهن لا يزال معتماً، ولا يوجد ثمة ضوء لا في نهاية النفق ولا في صالة العرض، وحين السؤال عن اسباب تراجع السينما السودانية، ثمة حزمة من الاتهامات المكرورة في مقدمتها غياب دعم الدولة لان السينما انتاج مكلف وهو الفن الوحيد الذي بات يطلق عليه صناعة ومعروف دلالات كلمة صناعة من ناحية الكلفة المالية، وصناعة السينما تحتاج الى مصادر تمويل عالية والى بنى تحتية متمثلة في المعدات والآليات وسياسات التسويق ومعامل الطبع والتحميض وهذا ليس متوفرا. والضربة القاضية التى تلقتها السينما في السودان هو قرار حل مؤسسة الدولة للسينما والخراب الذي طال وحدة افلام السودان . ويبقى السؤال: هل تعيد الدولة الاهتمام بالسينما وهي تطالع هذه الاخبار الحزينة برحيل الرواد الاوائل، فالكوادر السينمائية موجودة والطبيعة المتنوعة التى حبا الله بها السودان تصلح كمواقع مثالية للتصوير السينمائى والتاريخ المعاصر ملىء بالقصص والحكايات التى لم توثق بعد، هذا فضلا عن التذكير بالدور الذي يمكن ان تلعبه السينما في عكس التنوع الثقافي والاثنى للسودان مما يقلل من حدة التصادم بين هذه المكونات على النحو العنيف الذي نشاهده على المسرح السياسى.