جبهة دارفور طالها الركود منذ فترة ليست بالقليلة إلا من أصوات الرصاص هنا وهناك على خلفية عمليات عسكرية متبادلة بين الخرطوم والهامش المسلح، ليحركها حجر لثالوث من الزيارات ابتدرها د. التيجانى السيسى رئيس السلطة الاقليمية لدارفور رئيس حركة التحرير والعدالة الى أنجمينا، قبل أن تنفجر التحليلات وسط الدهشة بتزامن زيارة جبريل ابراهيم لبانتيو فى ذات توقيت وصول المنشقين منها الى الدوحة، لتنطلق الاستفهامات حول ما اذا كان لزيارة جبريل تأثيرها على مسار العملية السلمية بين الخرطوموجوبا، حال اعتبرت الخرطوم وصوله لجوبا بمثابة خطوة عدائية من حكومة الجنوب، ومدى إسهام زيارة خليل فى تعجيل خطوات الحزب الحاكم بالتفاوض مع منشقي العدل والمساواة بالدوحة. كمال الدين إبراهيم الامين العام للجمعية الوطنية لتصحيح مسار أزمة دارفور، يرجح أن هدف الزيارة لا يكمن فى ترجمتها العملية وما يمكن تحقيقه على الأرض فعلياً، بقدر ما أنه يرتبط بتوقيت الزيارة نفسه، وقال ل(الرأى العام) (ربما هدفها خلق حساسية بين جوباوالخرطوم، لكن من غير المستبعد أيضاً أن تكون بمثابة مشروع استماع لنصائح الجنوب، أو استجابة لنداءات التوسط التى طرحها الجنوب أو لإخطارها بحرج التواجد فى الحدود على جوبا). وأضاف: التوقيت ربما جاء اختياره بالنسبة للحركة متعمداً ووفق حسابات خاصة، لإدخال الحرج بين الدولتين للتأثير فى مسار تنفيذ اتفاق السلام الموقع مؤخراً. الاتفاق الموقع يومذاك بأديس ابابا، كثيرون يرون أن فوائده الإعلامية أكبر مقارنة بفوائده السياسية والامنية والاقتصادية، كونه أسقط الحرج عن الرئيسين البشير وسلفاكير حال لم يتوصلا الى أى اتفاق بعد المدة الطويلة التى قضوها تفاوضاً، بالاضافة لرفعه الحرج عن المجتمع الدولى والمنظمة الأممية باعفائها من السقوط فى براثن الحيرة باتخاذ موقف صارم من الدولتين أو إعلان عقوبة عليهما تتضرر منها الشعوب أولاً وأخيراً. بالتالى فقيمته تعد ثمينة لأطراف عديدة ما يصعب التساهل مع محاولات التأثير عليه، وربما هذا ما دفع كمال للاستدراك بالقول:(أيضاً يظل الاحتمال الأقوى أن الزيارة ربما تكون واحدة من وسائل الضغط على الحكومة والجهات الاخرى بحيث يمكن التأثير عليها وإجبارها على التعجيل بالتفاوض).. واعتبر كمال أن الجانب التكتيكى هو الأقرب فى توصيف الخطوة، وقال( ازاء ما شهدته العدل والمساواة من أزمات كبيرة ، يبدو أنها لجأت للتكتيك كحل يغطى على هزاتها باتاحة الفرصة لجزء كبير منهم العودة للمفاوضات تدريجياً). التكتيك الذى أشار اليه الامين العام لتصحيح مسار أزمة دارفور لم يرفضه أو يقره أحمد فضل وزير الدولة بمجلس الوزراء الناطق الرسمى باسم حركة التحرير والعدالة، ممسكاً عن التعليق على زيارة جبريل ابراهيم الى بانتيو، وقال ل(الرأى العام) أمس (ليست لدينا معلومات كافية عنها أو الغرض منها)، بيد أنه استدرك(لكننا نستصحب أنها جاءت فى ذات توقيت وصول قيادات العدل والمساواة المنشقة الى الدوحة باعتبارها خطوة فى الاتجاه الصحيح، وهو ما نثمنه عالياً، خصوصاً وأنها أى الخطوة جاءت تتويجاً لمشاورات استمرت لفترة طويلة). فضل كشف عن جهود بذلتها التحرير والعدالة وصفها ب(غير المباشرة)لاقناع الحركات غير الموقعة على الدوحة للانضمام للعملية السلمية بدارفور عبر الحديث للوساطة من جهة والحكومة من جهة أخرى للإسراع فى التواصل مع الحركات لإقناعها والتفاوض لمن انحاز منهم للسلام. واعتبر الناطق الرسمى للتحرير والعدالة وصول قيادات من العدل والمساواة للدوحة وجلوسهم مع الوساطة بالاضافة لرصيد السلام وليس خصماً على التحرير والعدالة، وربط بين تزامن وصول منشقى العدل والمساواة للدوحة وبين زيارة رئيس السلطة الاقليمية السيسى لانجمينا وقال(ذهاب العدل والمساواة كان متوقعاً بعد انقسامها من الحركة، وتمت اتصالات بينها والوساطة والحكومة وتوقعنا فى التحرير والعدالة تتويجها خصوصاً بعد أن وجهت لهم الوساطة الدعوة فى ذات توقيت زيارة د. السيسى لتشاد بغرض التفاكر فى مجمل القضايا التى تهم العملية السلمية خصوصاً قضايا الحدود والعودة الطوعية ، وفى سبيل استكمال عملية السلام وإقناع الحركات غير الموقعة ، وهى زيارة ناجحة ومثمرة على المستوى السياسى والأمنى). من جانبه برر القيادى بتحريرالسودان - القيادة العامة- آدم عوض الزيارة بإرجاعه الى أن المحصلة النهائية للمشهد بين الخرطوموجوبا تحقيق سلام نهائى، الا أن كل طرف يسعى لأن يحتفظ بأصدقاء، بغرض توظيفهم حال حدوث نكسة فى تلك العلاقات ويكونوا بمثابة كروت ضغط. وقال ل(الرأى العام): (استراتيجياً حكومة جوبا لا تعول كثيراً على المؤتمر الوطنى بحكم أنها جربته إبان نيفاشا، وتشكك في نواياه المرحلية أو الاستراتيجية) وأضاف إن زيارة جبريل اذا تم تأكيدها، فإن لها مدلولاتها الأخرى، وتعنى ان دولة الجنوب لا تزال تمسك بزمام اللعبة الأمنية على الشريط الحدودى.. ويذهب الرجل الى أن زيارة جبريل لبانتيو فى ذات توقيت وصول المنشقين الى الدوحة يعجل من تلقف الوطنى للفرصة بحيث يمكنه الإسراع بضمهم لمنبر الدوحة، وقطع الطريق على مفاوضات العدل للمنشقين بالعودة لصفوف الحركة مع دبجو وآخرين باعتبارهم رموز القيادات الميدانية.. آدم قطع بأن زيارة جبريل الى بانتيو، بوجود خطة عسكرية يراد تنفيذها وهو الغالب، واضاف( كل ذلك لا يخدم قضية دارفور والحل الشامل، إلا بجلوس كل الأطراف الحاملة للسلاح لفائدة المواطنين).. الخرطوم.. لم يصدر عنها أى تعليق على الخطوة، ويبدو أنها تراهن على انتظار اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية التى ينتظر انعقادها فى غضون أيام لحسم أمر وجود قيادات للحركات على أرض الجنوب، وهو الامر الذى قللت منه مصادر لها علاقاتها مع الحركات فى حديثها ل(الرأى العام) وترى أن وجود قيادات عسكرية او سياسية معادية للخرطوم بجوبا لا يعنى أن جوبا يمكن لها أن تعادي الخرطوم ولا يمكن تفسير الزيارة على هذا النحو، لكن انطلاق أعمال عدائية من هذه القيادات من الاراضى الجنوبية هو ما يفسر العداء. وأضافت ذات المصادر إن الخرطوم قد لا تستطيع منع جوبا من استضافة أى شخص، بل يمكن لجوبا منحهم حق اللجوء السياسى طالما كانت الاتفاقات الأمنية مكتوبة ومحددة ولا تسمح لهؤلاء القيادات شن هجوم من أراضيها.. إذاً، صمت الخرطوم سواء جاء بوعى أو بدونه لحدود وسقف رفضها أو استنكارها، الا أن الشاهد يقول أن الجنوب الى الآن بدا في المناورة السياسية ومحاولة تجيير الاتفاقات الأمنية التى وقفت الخرطوم عند حدود إقناع صقورها بها، دون الولوج عملياً فى تطبيقها، وهو ما ستكشفه تداعيات زيارة جبريل ?إذا تمت بالفعل- خصوصاً وأن المصادر قطعت ل(الرأى العام) بعدم وجود دبجو بالدوحة، فهل وصل جبريل بالفعل لبانتيو؟، وهل ستفسد زيارته الأجواء بين الخرطوموجوبا؟.. هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.