كان السودانيون في سنوات الخير والبركة يهللون ويرحبون بمقدم عيد الأضحى المبارك وينتظرون تلك المناسبة العظيمة بفارغ الصبر ويحصون الأيام والليالي حتى يحل عليهم العيد السعيد.. كان المواطنون في ذلك الزمن الجميل يستعدون منذ وقت مبكر فتعلو أًصوات الخرفان في الحيشان «باع.. باع» وكانوا يحرصون على إعداد معدات الذبح كالسواطير والسكاكين انتظاراً لذلك اليوم الذي يفرح فيه الكبار والصغار.. ولكن في السنوات الأخيرة بدأت مظاهر الترحيب والفرح بمقدم العيد في التراخي.. فكلما اقتربت هذه المناسبة العظيمة يشعر غالبية المواطنين بحرج بالغ لعدم مقدرتهم على الايفاء بشروط الأضحية.. فالأسرة السودانية في هذه السنوات العجاف لديها ما يكفيها من المشاكل ليس أقلها النضال اليومي لتوفير أبسط مقومات الحياة، فأصبحت «قفة الملاح» همها الأول تناضل طوال اليوم للحصول عليها فمن أين لها ثمن الخروف الذي يتجاوز أقل وزن منه الخمسمائة جنيه.. في الأسابيع الأخيرة راجت فكرة بيع الخرفان بالأقساط لفئات معينة من المجتمع.. فقد اعلنت ولاية الخرطوم يوم السبت بدء توزيع الاضاحي بالأقساط للهيئات النقابية التي قامت بتسجيل منسوبيها لدى سلة قوت العاملين مستوفية شروط الأضحية.. ويذكرنا هذا الاتجاه بالدعوة التي اطلقها وزير الداخلية في البرلمان في الاسبوع الماضي لزيادة مرتبات قوات الشرطة.. فكلا الاتجاهين - تقسيط ثمن الخراف وزيادة مرتبات الشرطة- يسريان على فئة بعينها من المجتمع.. إذ يقول البعض انه رغم احترامهم وتثمينهم لدور رجال الشرطة الذين يفدون بأرواحهم عند الضرورة في سبيل حفظ أمن المواطنين - إلا أن دعوة وزير الداخلية لزيادة اجورهم لم تشمل «كل العاملين في الدولة».. فباستثناء القلة المحظوظين في الأجهزة التنفيذية والقضائية والتشريعية فإن كل الفئات العاملة في الدولة سواء كانت عسكرية أو مدنية هم أيضاً يستوجب رفع مرتباتهم، فغالبيتهم يعانون من ضيق المعيشة.. وماذا أيضاً عن فئات المجتمع الأخرى- ملايين المواطنين خارج نطاق «الميري».. ومثلهم من العاطلين الذين حفيت أقدامهم بحثاً عن العمل.. ألا يستحقون رعاية الدولة؟ أعجبت بمقال طلب مني نشره الأخ عثمان سوار الدهب ينتقد فيه تصريحات بعض المسئولين .. وضرب مثلاً بما أدلى به رئيس اللجنة التي شكلها وزير التجارة حول بيع الاضاحي بالتقسيط عندما قال إن وزن خروف العيد يتراوح بين «40» و«45» كيلو جراماً.. ويقول سوار الدهب ان اكبر الخرفان التي تجهز للصادر لا يتجاوز وزن الواحد منها 35 كيلو جراما ويسخر الخبير الاقتصادي من تلك التصريحات وقال انها «حالة تخدير يمارسها هؤلاء على المواطنين».. ويدعو القادرين منهم شراء الاضاحي من السوق..