الخرطوم تجاوزت يأسها وخرجت للعلن على استحياء، تتعثر في ممارسة هويتها المترددة حيناً أو المبتورة أحياناً في كشف المستور .. القيادات النافذة نأت بنفسها عن وضع الكثير من النقاط فوق الحروف ، مبررة الامر بأفضلية الجهات المختصة.. التعتيم وشح المعلومات أو تعمد شحها بدا الاجماع الذي التقت فيه الخرطوم حول العملية الموصوفة بالانقلابية تارة وتخريبية بأخرى، لتتوهط الاشاعة سيدة في قلب الخرطوم بصيغة الجمع. سيناريوهات خصبة الشارع العام بدا مكتظاً ومتخماً بالاشاعات الحافلة بالاثارة والمترعة بالخيال الخصب، ومصادرها يدعون المعرفة والحقيقة ، تبدو في مخارج الحروف والكلمات بحنكة العالمين ببواطن الامور، فتجلت الخطورة بما منحته الاشاعات من ابعاد جديدة للسيناريو المعلن والغامض في آن واحد .. الاصلاحيون في المشهد ابرز السيناريوهات التي تناقلها الشارع العام تلك التي ربطت بين المحاولة وبين تطورات المؤتمر العام الثامن للاسلاميين، وأن المحاولة جاءت كرد فعل طبيعي مِن قِبل مَنْ عرفوا بالإصلاحيين .. الدولة وحزبها الحاكم دعمت الاشاعة باجتماعات مع الدفاع الشعبي قبل أن يعززها بنفيه لاقالة د. غازي صلاح الدين الموصوف بزعيم الاصلاحيين في أجواء استبقها بيان ممهور بتوقيع (الاصلاحيين) معظمهم من الشباب .. اسرائيل وهجليج شائعات أخرى، وضعت المحاولة وكأنها تعبير عن سخط يستشعره البعض على قيادة الجيش وأنه رد فعل داخلي بسبب الحنق على الاعتداء الاسرائيلي على اليرموك وما قبلها، بالاضافة إلى احتلال هجليج قبل تحريرها، وعدم الحسم السريع في جبهات دارفور وجنوب كردفان.. اقحام المؤسسة العسكرية في سيناريوهات الاشاعات، بدا مبعثاً للقلق لدى المراقبين وبلغ ذروته بتوصيف المحاولة بأنها استباق بين الجيش والمدنيين في الدولة ، للسيطرة على الحكم على خلفية إشاعات أخرى عن مرض الرئيس، وفرض خليفة له من كل طرف. تكذيب وتشكيك صلاح قوش.. أحد ابرز الاسماء في المحاولة، كان سبباً في انطلاق سيناريو التكذيب والتشكيك في وجود محاولة بالاصل، لجهة أن الاسماء الواردة بعده لم يعرف لها علاقات به، وأعتبرت الاشاعة، أن اتهام قوش هو محاولة لتصفية أخطر رجالات الامن بالبلاد، بحكم خبراته وتاريخه، وبررت الاشاعة نفيها لوقوع الحدث بأن قوش يتمتع بالذكاء والخبرة ورصيد من الولاء، يقف حائلاً دون الاشتراك في مثل تلك المحاولات المكشوفة.. قيادات نافذة بالدولة، استهجنت وصف المحاولة بالفبركة الحكومية، وتساءلت عن اساس المعرفة الكفيلة بتوافر الثقة في عدم قيامهم بالمحاولة ، وقالت (رؤوس هذه المحاولة ، لو أن هناك من يعرفهم لن يستغرب مشاركتهم وقيامهم بالامر ، سواء من الجيش أو غيره)، واضافت بأن اقل واحد فيهم يبحث عن تحسين وضعه.. الدولة تتوجع قيادات نافذة بالدولة، سعت لتوضيح الصورة، بعيداً عن فتح دولاب الاسرار، برغم اقرارها بأهمية معرفة الناس والاعلام على وجه الخصوص، واعتبرت ان ما رشح دليل على غياب العمق في قراءات الشارع، مطالبة بحسم الاشاعة باعتبارها الخطر الحقيقي على البلاد، لا عبر الحقائق فقط بل مواجهة منطق الاشاعة نفسه ونسفه.. الدولة لخصت تحفظاتها في اشاعات التشكيك والتبرير في سيناريو المحاولة، وأعتبرت على لسان مسؤول نافذ أن التشكيك يعد منطقياً ومقبولاً من قبل قوى المعارضة، بأعتباره من حقها وواجبها طالما أعلنت معارضتها سواء الشعبي أو الامة أو غيرهما، وأن التشكيك أو التبرير يمكن أن يكون منطقياً اذا جاء من شخوص لهم علاقة بالعملية تعلمهم أو لا تعلمهم الدولة ، واستدرك ذلك المسئول الرفيع (لكن أن يأت من أناس ليس لديهم غرض بالعملية أو غير معنيين بها فهو أمر غير منطقي) وارجعها الرجل الى عدم القراءة العميقة لأثر عمليات التشكيك، وقال(التشكيك لا يقف عند حدود الاضرار بل ويشجع مثل هذا النوع من الانفلات الذي يضر الدولة). وأعتبرت أن التبرير للعملية بأن ثمة فسادا أو أن الشريعة ليست مطبقة قد يكون مقبولاً في منطق القائمين على الامر، لكن أن يأتوا على انقاض هذا النظام بهدف اصلاحي أمر مستبعد، ووصف المسئول النافذ بالدولة اختزال المحاولة بصراع سلطة بال(التبرير السئ) وسخر من اعتبارها محاولة لاقصاء البعض وإبعادهم عن السلطة ، وأنها محاولة للتشفي والإقصاء .. الانتقام الشخصي الدولة أعتبرت أن أي تبرير مبني على أن القائمين بالمحاولة ابناء دفعة أو ابناء منطقة أو هم أخوان في تجربة الاسلاميين، تعد تبريرات عاطفية ونوعاً من الهوى السياسي ، وأن الحديث عن حسابات شخصية وتصفية حسابات، يعد مناقضاً، وأعتبرت أن الشخص الموجود في السلطة لا يسعى لتنفيذ انقلاب، وأن من لديه قصدا شخصيا وغير موضوعي أو غبن تجاه آخر في السلطة، لا يبرر الانقلاب على النظام بأكمله ، القيادي الحكومي أكد أن من يبحث عن السلطة هو من يحتاج الى انقلاب لا العكس.. الدولة تنقد نفسها ربكة اليرموك، أعادت انتاج نفسها في خطاب الدولة تجاه التخريبية بين بيان مقتضب لا يسمن من جوع المعلومات ولا يغني ، بالإضافة لجهة اصدار البيان، فأقر المسئول النافذ بالخلل، رافضاً حصر الاعلان عن الامر في مؤسسات حزبية أو قنوات خاصة، واكد أن الصيغة المثلى لخروج الاعلان عن التخريبية عبر بيان أو تصريح للجيش يحدد وقوع الحدث بمشاركة عسكريين بالمؤسسة، وان تفاصيل العملية ستخرج بعد اكمال الاجراءات في مواجهتهم .. توقيت الاعلان بين تعتيم واعلان، تراوحت حسابات الكثيرين.. رزين الشارع العام فضل عدم الاعلان والتعتيم على المعلومات المنقوصة التي تخلق مناخاً خصباً للاشاعة ، وآخرون فضلوا الاعلان مباشرة دون قيد أو حظر ، وبين الطرفين تضيع حقيقة ان الاستراتيجية الاعلامية للدولة ليست قراراً او موقفاً ، وإنما حالة من المرونة تفرضها مقتضيات الظروف.. وطبقاً للعديد من المحللين فإن توقيت اعلان المحاولة التخريبية الاخيرة جانبه الصواب، فالخرطوم تتأهب لاجتماعات اللجنة السياسية الامنية المرتبطة بأكثر ملفات البلاد تعقيداً وفقاً للمعادلة مفقودة الحل (النفط مقابل الامن). بالتالي فالاعلان يسهم في تعقيد العملية التفاوضية او تلكؤ الطرف الآخر ، لصالح احتمالية التغيير في المشهد السوداني .. بالاضافة لاعلان الجيش تأهبه لعمليات حاسمة بجنوب كردفان، وما يعنيه الكشف عن المحاولة من تأثير على الروح المعنوية للجنود.. بالتالي فإن الخرطوم لم تستطع ادارة الملف بالصورة الحكيمة واللائقة طبقاً لرأي العديدين .. التعتيم .. ضعف نظر ضعفاء النظر في الخرطوم ، اقترحوا معالجة الخطأ بخطأ آخر فبرزت اصوات تطالب الحكومة بحظر النشر والتكتم على القضية، الامر الذي رفضه القيادي السيادي في حديثه ل(الرأي العام) وآخرون ، بكشفه عن أن المحاولة الاخيرة لم تكن الأولى لذات المجموعة، بل إنها قامت بتنفيذ عملية أخرى في وقت سابق ليس بالطويل، وتم التكتم على الامر وهو ما شجعهم للقيام بها مرة اخرى، وقطع بأهمية كشف العملية للشعب السوداني باعتباره المتضرر الاكبر من عدم الاستقرار.. الخوف يتضخم حالة من الخوف، إنسربت إلى دواخل البعض بالخرطوم، بعدما اعلن د. أحمد بلال عثمان الناطق الرسمي باسم الحكومة وجود اتصالات بين العدل والمساواة والمجموعة المنقلبة.. ضعف المعلومات رجح بأن الحكومة تريد اعادة انتاج (فزاعتها) بالحركات، قبل ان تحمل عبارات القيادي النافذ مفاجأة من العيار الثقيل، بكشفه عن أن الاحزاب تعلم توقيت التحرك ونواياه وكذلك الحركات المسلحة عبر العدل والمساواة، وان حكومة الجنوب أيضاً على علم بالامر من حلفاء العدل والمساواة في الجبهة الثورية أي الحركة الشعبية قطاع الشمال، وقطع المصدر القيادي بعلم المؤتمر الشعبي وحزب الامة وسمى الامام الصادق المهدي ، واصفاً خطاب المهدي بالخروج الى الميادين بالجراءة الاستثنائية ، عازياً الامر لمعرفته بالتحرك، وأن خطابه هو فاتورة لقدومه للحكم، عبر تسليم المجموعة المنقلبة الحكم للمعارضة لأنها ستعجز عن وضع أية استراتيجية لادارة الدولة وأنها ستبيع القضية بحسب وصفه.