لكلِ منّا أيامٌ خاصة يحتفل بذكراها دون أنْ يشاركه فيها أحد... فنفرٌ يحتفلون بذكرى يوم بلوغهم الحُلُم، وأُخريات يحتفلن ببلوغ سن اليأس، وآخرون يحتفلون بذكرى يوم اعتقالهم، ففي السودان كلُ نفسٍ ذائقة الاعتقال! أملكُ اليوم حق الاحتفال، فهو ذكرى التحاق عمودي بصحيفة (الرأي العام)، حيث يبدأ اليوم عامه العاشر... بعد صدور عمودي الأوّل بأيّام أتاني تعليقٌ من قارئٍ يهنئني على إدماجي بنادي الصحافة السودانيّة مع انّني أحد أبناء الجالية الهنديّة... وقد أخطأ القارئ يومذاك التهنئة لأنّه منحَ الجنسيّة الهنديّة لمواطن سوداني من مواليد 1 يناير يصفه جواز سفره بأنّ طوله خمسة أقدام وستة بوصات وأنّ عيونه عسليّة! ذكرى انضمام عمودي إلى (الرأي العام) تستحق الإحتفال المتأمل، فهي ذكرى انضمام لأقدم الصحف السودانية على قيد الحياة... مدرسة يدخل إليها من يشاء ويخرج منها منْ يشاء ويتخرّج فيها مَنْ يشاء... لكنّ القرّاء في النهاية ينسون أسماء هؤلاء وأولئك، ولا يذكّرون غير اسم المدرسة! توصف صحيفة (الرأي العام) منذ أيام العتباني الأب ثُمّ العتبانى الإبن وحتى عهد مالكيها الآن، بأنّها صحيفة مُعتدلة... وإذا كان هذا الاعتدال صفة تقترب من وصف الحكومات (المُعتدلة) فإننا نأبى ل (الرأي العام) هذا الاعتدال، ونرضاه لها فقط إذا كان مقصوداً بأنّها صحيفة تُقارب المناخ المعتدل، وهو المناخ الذي لا يثير العواصف الرمليّة نتيجة لوقوعها تحت ضغطٍ عالٍ! أحلى ما يستحق الاحتفال هو ما تعطيه الصحيفة لكاتبها، فهي تمنحه جناحين ليطير بهما إلى فضاء السودانيين وأصدقائهم في كل العالم... فلم أتصوّر قبل أن أكون كاتباً عموديّاً أنّ هناك سودانيين يعيشون بجزر المالديف ومملكة نيبال وأرخبيل الرأس الأخضر وفي جليد الإسكيمو! يوم أنْ وطأ عمودي بلاط (الرأي العام) كان يديرها مدير عام ورئيس تحرير ومدير تحرير غير هؤلاء اليوم... أمّا صالة التحرير التي كانت فلم يبق منها غير (11%)... لذلك أتحلّق في هذا اليوم حول مائدتها المستديرة التي تؤكّد أنْ الصحافة مهنة مستديرة تدور بكل من يجلس حولها، وتبقى المائدة وحدها هي التي لا تدور!!