لا شك أن النظام الإيرانى ينافس بقوة لنيل صفة النظام الإسلامى الأعلى فى العالم , لكنه أيضاً يدعم النظام السورى الذى يقاتله ثوار إسلاميون . و إذا ظن البعض أن حل هذا اللغز السياسى يكمن فى التشابه المذهبى بين العلويين و الشيعة , فإن مثالاً آخر يهزم هذه الحجة بسهولة هو وقوف إيران بقوة مع حركة حماس ذات التوجه السنى . و عليه فإن ثوار سوريا الإسلاميين ليسوا قريبين من حماس الإسلامية التى تختلف هى الأخرى مع تنظيم الجهاد الإسلامى الفلسطينى . تتعدد أمثلة التقارب بين إسلاميين و علمانيين ضد تحالف إسلامى علمانى آخر , رغم أن المنطق يقول بتمايز الصفوف بأن ينحاز العلمانى فى كل حلف لشبيهه فى الحلف الآخر , و كذلك يفعل الإسلامى . لكنها السياسة التى تثبت المرة بعد الأخرى خطل و خطأ و خرافة و وهم وجود معسكر إسلامى و آخر علمانى و بينهما خط قاطع . فها هو المؤتمر الشعبى يوالى الشيوعى و الناصرى فى تحالف قوى الإجماع الوطنى ضد تحالف آخر يضم المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية تيار السلام . و تلك طائفة الختمية الدينية راعية حزب الشعب الديمقراطى تتحالف مع عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعى ضد حزب الأمة بأنصاره و الوطنى الإتحادى . و هناك قوات البشتون الإسلامية فى أفغانستان تغتال قائد الطاجيك أحمد شاه مسعود الذى كان يلقب أيام الغزو السوفيتى بأسد بانشير . يطول عمر هذه الربكة فهى ليست وليدة اليوم , و ليست حديثة عهد بمجتمعاتنا . و على سبيل المثال قامت الثورة المهدية فى السودان ضد حكم يمثل لحد كبير الخلافة الإسلامية , و نجد فى مجتمعنا من يمجد ثورة المهدى و يمجد فى ذات الوقت فكرة الخلافة , بل و يعزو ضعف المسلمين إلى زوال دولة الخلافة , و يعتبر هزيمة تركيا جزءاً من مؤامرة صليبية لتقسيم بلاد المسلمين إلى دويلات بدلاً من أن يكونوا قوة تحت إمرة إمام واحد . هذا الموقف الذى يبدو متناقضاً لا يزيل تناقضه إلا اعتبار السياسة شأناً غير محكوم ب (حرفية) دينية , فيصبح فى الإمكان الانحياز لثورة وطنية إسلامية كانت أو غير إسلامية فى وجه دولة الخلافة . حدثني من قبل وزير أرسلته الإنقاذ إلى ولاية طرفية أن الإسلاميين فى المنطقة قد قابلوه بفتور ثم برفض علنى و لسان حالهم يقول إنهم يفضلون أحد أبنائهم و لو لم يكن إسلامياً , و اضطر المركز لنقل الوزير بعد أن تلقى درساً يفيد أن الانتماء أعقد بكثير مما يظن البعض .