مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الأشباح ..السجل الخفي ل «سي. أي. أيه» ..الحلقة (12)
نشر في الرأي العام يوم 05 - 11 - 2009

هل خلقت ال «سي. أي. إيه» حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وهل عزفت الولايات المتحدة على وتر طالبان كورقة للترهيب أو التأديب. أسئلة يجيب عليها كتاب حروب الاشباح -السجل الخفي لل «سي.اي إيه».. لإفغانستان.. ولابن لادن.. لمؤلفه ستيف كول .. كتاب يتجلى فيه الدور غير الاعتيادي لل «سي.اي إيه» في قصص بيع الصواريخ وإعادة شرائها.. وقصص ضباط وكالة الاستخبارات الامريكية.. وصراعاتهم التي تفسر الحروب السرية التي سبقت «11/سبتمبر».. وتورط رؤساء.. ودبلوماسيين.. في فرع جديد يُسمى مكافحة الأرهاب .. كتاب حائز على جائزة بوليتزر المرموقة مرتين.. وهو من أكثر الكتب مبيعاً في العالم.. ------ أبقت طريق سلانغ عيون قوات مسعود دائمة اليقظة، وحافظ مقاتلوها على أقصى درجات التأهب والتسلح. وعندما كان موكب سوفيتي يحاول عبور الطريق العام، اندفع مقاتلو مسعود من فوق الجبال وأطلقوا النار من رشاشاتهم وأغاروا علي الموكب، ثم اختفوا من جديد في الظلال. كانوا يفككون كل ما غنموه من السوفيت، سواء كانت قذيفة مضادة للدبابات أم أجزاء من دبابات، فيوضبونها على ظهر الأحصنة، ويشقون طريقهم إلى بانشير حيث يعيد الميكانيكون تجميعها كي يستعملها الثوار في ما بعد. وبما أنه كان بمقدور مسعود الوصول إلى سلانغ من بانشير، تمكن من قتل عدد كبير من جنود الجيش الأحمر بواسطة أسلحة تعود إليهم في الأساس، يستخدمها جهاديون يرتدون لباس الجيش الأحمر الموحد. وأخبر مسعود صحافياً زائراً في العام 1981: «لا نعتبر أننا نجحنا في اعتدائنا على قافلة، حتى وإن دمرنا عدداً كبيراً من الشاحنات والدبابات، إلا في حال أحضرنا ذخائر». قرر السوفيت أن مسعود لص عليهم إىقافه بسرعة. في كل إعتداء من الاعتداءات السوفيتية الستة الأولى على بانشير، بين ربيع العام 1980وخريف العام 1982، بدأ من المستحيل أن يحصل مسعود على أية فرصة لتحقيق أي نصر. كان لديه بالكاد ألف مقاتل في فترة الحملة الأولى. وتضاعف هذا الرقم بعد سنين، إنما كان يفتقر إلى الأسلحة، بينما أحضر السوفيت في كل عملية غزو عدداً أكبر من الرجال والأسلحة. وأثناء عدوان خريف 1982، أرسل السوفيت عشرة آلاف رجل من قواتهم الخاصة، وأربعة آلاف جندي من الجيش الأفغاني، ومجموعة من الدبابات والمروحيات الهجومية والطائرات المقاتلة من كابول. لم يسعوا إلى تأمين سلانغ فحسب، إنما كانت الاعتداءات جزءاً من خطة عسكرية كبيرة وغير معلنة. وفقاً لسجلات ال «كي. جي. بي» قرر السوفيت ان عليهم «تحقيق فوز في المناطق الشمالية الموجودة قرب حدود الاتحاد السوفيتي قبل كل شئ»، بغية السيطرة على أفغانستان على المدى البعيد. أصبح مسعود تلميذاً جدياً وقارئاً متعمقاً لماوتسي تونغ وتشي غيفارا والفرنسي الثوري ريجيس ديبري. اتبع أفكارهم ومبادئهم، ولم يحاول مواجهة السوفيت والتصدي لهم. حافظ منذ بداية الثورة على عملاء استخبارات متمركزين جيداً بين أفراد الجيش الأفغاني، فكان يكتشف قبل ايام أو أسابيع أو حتى أشهر، ان السوفيت يخططون للقيام باعتداء. وقبل بدء القصف الجوي، تختفي قوات مسعود في شبكة وديان معقدة منتشرة خارج بانشير مثل شرايين في ورقة نبتة. كانت القوات السوفيتية والأفغانية تدخل الوادي بعد سقوط القذائف لتجده يعج بالنساء والأولاد والشيوخ وعدد قليل من مزارع الحيوانات، لكنها لا تجد أثراً لأي مجاهد. قد يسمح مسعود لقافلة من الدبابات بالتقدم أكثر داخل الوادي قبل ان يأمر رجاله بالهجوم. وعندما يهجمون، لا يقفون أبداً، ويحاربون وجهاً لوجه، فبدلاً من ذلك، يرسلون بعض الجنود الشجعان ليطلقوا قذائف من المدفعية، فيصيبوا الدبابة الأولى والدبابة الأخيرة من القافلة، ثم تقوم قوة أكبر من الثوار المحصنين جيداً خلف الصخور والأشجار، بإطلاق النار بغزارة على القافلة من رشاشات قبل العودة إلى أمان الوادي. وداخل وادي بانشير الضيق حيث لا يوجد سوى طريق واحد للدخول والخروج، لم يكن أمام جنود الجيش الأحمر خيار غير ترك دباباتهم والفرار منها. وغالباً ما كانت تتحول العربات المعطلة في غضون أسبوع إلى جزء من ترسانة المجاهدين بفضل تصليحات ميكانيكي مسعود. قلب مسعود جنود الحكومة الأفغانية ضد حلفائهم السوفيت. شعر قسم كبير من أفراد الجيش، بولاء للقادة الثوار أمثال مسعود أكثر من ولائهم لسائسيهم السوفيت. واضطر مسعود في بعض الحالات، إلى إقناع المتعاطفين معه من داخل الجيش الأفغاني بعدم الانشقاق لأنهم قيمون كمخبرين أكثر من كونهم مقاتلين. لطالما أرسل السوفيت أثناء غزواتهم على بانشير، وحدات أفغانية قبل وحدات الجيش الأحمر، معتقدين ان زملاءهم الأفغان سيتكبدون وطأة مفاجآت المجاهدين. ومع الوقت، فهم مسعود هذه التكتيكات، وبدأ يستغلها. عندما يرصد المراقبون قافلة معادية تتقدمها قوات أفغانية، يحاول رجال مسعود عزل الوحدات من خلال دحرجة صخور ضخمة عن الجرف، ودفعها في اتجاه الطريق بين آخر عربة للقوات الأفغانية وأول عربة للقوات السوفيتية. وفي غالبية الأحيان، كان جنود الجيش الأفغاني يفرون على الفور بدلاً من القتال، تاركين للمجاهدين جميع الأسلحة والذخائر التي بحوزتهم. لم يملك السوفيت رفاهية الاستسلام. وعندما سئل مسعود عن عدم وجود أسرى من الجيش الأحمر في سجونه، أجاب: «كراهيتنا للروس عميقة جداً فقد خسر عدد كبير من المقاتلين الأفغان عائلاتهم أو منازلهم بسبب الإرهاب الشيوعي، وأول رد فعل لديهم عند رؤيتهم روسياً يكون بقتله». الوادي الضيق في الوقت الذي تصدى فيه مسعود للهجوم السوفيتي السادس، كانت سمعته منتشرة في جميع أنحاء البلاد. كان «أسد بانشير». أصبحت كلمة بانشير صرخة استنجاد في أفغانستان، وفي الخارج، ورمز أمل للمقاومين ضد الشيوعية. كان مسعود داخل الوادي الضيق بطلاً مشهوراً جداً إلى درجة أصبحت لديه جماعته الخاصة من المعجبين بشخصيته، وما يمكنه من ممارسة سيطرته. لكن بدلاً من ذلك، قاد ثواره من خلال مجالس أعطت كبار السن في بانشير والمدنيين والقادة الثوار، فرصة التعبير عن رأيهم في عملياته. ونتيجة لذلك، أصبح مقيداً بالرأي العام المحلي، أكثر مما تقيد بالقادة الثوار الذين عملوا من خارج المكاتب التي تمولها ال «آي. أس. آي» في المنفى الباكستاني. استغل القادة المتمركزون في باكستان مخيمات اللاجئين المنتشرة في بيشاور وكيتا. فقد تحكم حكمتيار وسياف ورباني وقادة آخرون من الجهاديين الذين تدعمهم ال «آي. أس. آي» في حصص الطعام. واستعمل حكمتيار على الأخص المخيمات كمزيجة من مخيمات اللاجئين المدنيين والمخيمات العسكرية ومراكز العمليات السياسية. أما مسعود فقاد جيشه القتالي بالكامل من داخل الأراضي الأفغانية، واعتمد على صبر المدنيين الأفغان الذين يخضعون مراراً للاعتداءات السوفيتية الوحشية. أدار مسعود الشرطة المحلية ولجان الشؤون المدنية في بانشير، وفرض الضرائب على المنقبين عن الزمرد واللازورد، واعتمدت ميليشياته مباشرة علي الدعم الشعبي. وثمة أمثلة أخرى كثيرة عن القيادة الثورية القطرية التي نشأت في أنحاء أفغانستان. إلا أن مسعود أصبح القائد الأبرز لما يسميه العالم الفرنسي أوليفييه روا «الحركة المسلمة المعاصرة الوحيدة التي ترسخت بين القرويين». ففي حركة مسعود «المجموعة المقاتلة هي المجتمع المدني الذي يتبع القيادة نفسها، من دون ان يكسب المقاتلون أجراً مقابل عملهم». بدأت التكتيكات السوفيتية لتدمير العالم بالقضاء على الدولة وسكانها. حصد القصف السوفيتي العديم الرحمة، آلاف الأرواح المدنية. وتضرر في أواخر العام 1982، أكثر من «80» في المائة من مباني بانشير، أو دمر. وفي محاولة لتجويع سكان الوادي، عمد السوفيت إلى تكتيكات الستار الحديدي الأكثر خزياً: بنوا جداراً. هدف الحاجز الأسمنتي الذي يرتفع ستة أقدام عند فم الوادي الجنوبي، إلى منع الطعام والملابس من الوصول إلى سكان بانشير. لكن الأمر لم يفلح، فقد تمكن المجاهدون من تهريب كل شئ، من البسكويت إلى الألبان وأجهزة الراديو. لكن بعد تدمير محاصيل سكان الوادي، وذبح قطعانهم، وبعد احتمال وقف القتال، يصعب التنبؤ بمقدار المشقة الذي سيتحملونه بعد. قرر مسعود إبراهم صفقة. في ربيع العام 1983، أعلن هدنة لا سابق لها. ووفقاً لشروط الهدنة، يجب على السوفيت وقف اعتداءاتهم على بانشير في حال سمح مسعود للجيش الأفغاني باستلام مركز عند الجهة الجنوبية من الوادي. أقرت الهدنة بعد ثلاث سنين من المفاوضات السرية. وصعقت غالبية الأفغان المقيمين خارج وادي بانشير، عندما علموا بأن مسعود كان فتح قنوات اتصال مع السوفيت طوال فترة محاربته لهم. بدأت المحادثات عن طريق رسائل تبادلها مع القادة السوفيت عبر الصفوف الأمامية. تحاور بواسطتها مسعود ونظراؤه الأعداء مثل الزملاء. ثم تقابلوا لاحقاً وجهاً لوجه. وفي الجلستين الأخيرتين، وضع مسعود الشروط بنفسه. ووقع من موسكو، يوري أندروبوف، رئيس ال كي. جي. بي» الذى أصبح الآن خلف بريجنيف كأمين عام للحزب الشيوعي، الاتفاقية من أجل السوفيت. رأى عدد كبير من الأشخاص داخل أفغانستان وخارجها، ان الهدنة استسلام جبان. وأعلن عالم امريكي ان اتفاق مسعود كان بالنسبة إلى الجهاديين بمثابة كارثة تماماً، مثلما كان «بينيديكيت أرنولد مصيبة بالنسبة إلى الامريكيين». وشعر قادة الجماعة، الحزب الذي أسسه مسعود، بأنه خانهم لأنه لم يتكبد عناء استشارتهم قبل اتخاذ القرار. ساعدت صدمة هدنة مسعود على تقوية منافسة حكمتيار. واستشهد ضباط المخابرات الباكستانية، الذين ازدروا لسنين زبائن شمال أفغانستان الذين لا ينتمون إلى قبيلة الباشتون، بالاتفاق عندما شرحوا لنظرائهم في ال ««سي. آي. أيه» سبب فصل مسعود نهائياً. ويذكر العميد سيد رازا علي الذي عمل في مكتب ال «آي. أس. آي» في أفغانستان في الثمانينيات، أنه «وضع سياسة وقف إطلاق نار محلية». وسأل «لم على رجل يعمل ضد الحرب على أفغانستان، أن يتعامل معهم؟». اكتسب حكمتيار في ذلك الوقت قوة، وأصبح أحد أهم زبائن ال «آي. أس. آي» المتمركزين في باكستان، تماماً مثل تشارلز ويلسون وبيل كايسي والأمير تركي الذين أغدقوا فجأة على مخازن ال «آي. أس. آي» إمدادات جديدة وفتاكة تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات. نضج حكمتيار ليصبح قائداً فعلياً صلباً لا يعرف الرحمة، ويرفض أية معارضة، ويأمر باستمرار بإعدام منافسيه. وعزز قوته من خلال إدارة المنظمة العسكرية الأكثر صرامة في بيشاور ومخيمات اللاجئين. ويذكر عميد ال «آي. أس. آي» يوسف، الذي عمل بشكل وثيق مع حكمتيار: «يستطيع المرء الاعتماد عليه بصورة عمياء». «عندما تعطيه الأسلحة، تكون متأكداً من أنه لن يبيعها إلى باكستان، لأنه كان صارماً إلى درجة عدم الرحمة». وأضاف يوسف وهو يضحك بمرارة: «ما ان تنضم إلى حزبه، يستحيل عليك تركه». وكما يقول العالم الامريكي برنيت روبين: «تبع «حمكتيار» النظام الاستبدادي الذي يقضي بدمج القوى جميعها بالحزب». مناهضة عسكرية تتحدر عائلة حكمتيار التي تنتمي إلى قبيلة الباشتون، من سلالة قبيلة أخرى أدنى مرتبة أجبرت على الانتقال في القرن التاسع عشر من مناطق الحدود الباكستانية إلى مقاطعة شمالية في أفغانستان، في القندوز التي لا تبعد كثيراً عن بانشير. وبما أن عائلته كانت من الأقلية في مجتمع الباشتون، فقد جذب حكمتيار الاستخبارات الباكستانية التي أرادت ان تتعامل مع زبائن من الباشتون بعيدين عن القبائل الكبيرة التقليدية الأفغانية. تابع حكمتيار دروسه الثانوية في القندوز وفي المدرسة الحربية في كابول، قبل ان يلتحق بكلية الهندسة البارزة في جامعة كابول. وما إن نفي إلى باكستان، حتى جمع المقاتلين الإسلاميين الأكثر راديكالية ضد الغرب، والذين يتخطون الحدود القومية، بمن فيهم أسامة بن لادن وعرب آخرون وصلوا كمتطوعين. اعتبر القادة الكبار المتأثرين بجماعة الأخوان المسلمين، مثل رباني وسياف، أن جماعة حكمتيار هي مجموعة متهورة تابعة للأخوان. تحدث عدد أكبر من الاساتذة الاسلاميين الأفغان عن المجتمعات الأجنبية العالمية الإسلامية، وعن التطور الفكري التدريجي. لكن ليس حكمتيار، فقد كان يركز على السلطة، أصبحت منظمة الحزب الإسلامي الخاصة به، أقرب إلى جيش منفى انضم إلى قائمة التنظيمات الجهادية المتنوعة والمشتتة. التزم بآراء سيد قطب حول الحاجة إلى هزم القادة المسلمين
الفاسدين بغية إنشاء حكومة اسلامية حقيقية.. وأخذ على عاتقه مسؤولية اختيار المؤمن الحقيقي من الكافر. كانت حرب أفغانستان على مر العصور، تهدف إلى «إعادة توازن القوة»، وليس إلى تدمير العدو»، بحسب ما يقوله العالم أوليفييه روا. أما حكمتيار فقد أراد من الجهة الأخرى، تدمير أعدائه الذين لا يقتصرون على الشيوعية وقوات الاحتلال السوفيتي فحسب، إنما يضمون المنافسين الجهاديين أيضاً. اعتبر حكمتيار أن مسعود هو منافسه العسكري الأكبر، وبدأ بمهاجمته في الميدان من خلال المناورات في باكستان والسعودية، قال حكمتيار لأحد داعميه من العرب، وكان قلقاً حيال منافسته المتزايدة مع مسعود: «لدينا مثل في لغة الباشتون يقول: «الديك المتعجرف يمشي على طرفي قائمتيه على السطح خشية ان يقع به». وذلك الديك هو مسعود. وأثناء سعي حكمتيار إلى استلام السلطة في اواسط الثمانينيات. غالباً ما هاجم مسعود وجهاديين آخرين، إلى درجة أن محللي الاستخبارات في واشنطن خشوا ان يكون جاسوساً ل «كي. جي. بي»مهمته تفرقة صفوف المقاومة ضد الشيوعية. إلا ان ضباط ال «سي. آي. أيه» في قسم الشرق الأدنى، المعنيين بالبرنامج الأفغاني، والعاملين في المقر الرئيسي أو في الميدان، اعتبروا حكمتيار حليفهم الأكثر جدارة بالثقة والأكثر فعالية. وشجع ضباط ال «آي. أس. آي» ال «سي. آي. أيه» على التعامل مع حكمتيار، فاستنتجت الوكالة، باستقلالية، أنه الأكثر قدرة لقتال السوفيت. وقال ضابط عمل في المقر الرئيسي في ذلك الوقت، أنهم وصلوا إلى هذه النتيجة، لأنهم راجعوا تقارير الأضرار في ساحة المعركة، وتتبعوا حركات شحنات الأسلحة، وزاروا مخيمات اللاجئين لتفقد القوة التنظيمية في صفوف أحزاب المقاتلين، واكتشفوا «من خلال التحاليل، ان افضل المقاتلين وأفضل المقاتلين المنظمين هم المتزمتون» الذين يقودهم حكمتيار. كان وليم بيكني، رئيس مركز ال «سي. آي. أيه» يحضر من اسطنبول مع ضباط من «آي. أس. آي» أو أعضاء كونغرس زائرين، لمقابلة حكمتيار في معسكرات التدريب الواقعة على الحدود الصخرية. أعجب بمهارات حكمتيار القتالية، إلا أنه كان يخشاه أكثر من أي قائد جهادي آخر. «قد تضع يديك في يدي قلب الدين وتعانقان بعضكما البعض كأنكما أخوان في المعركة، فينظر إليك بعينيه السوداوين بلون الفحم، وتفهم ان أمراً واحداً فحسب يبقى هذا الفريق متماسكاً، هو الاتحاد السوفيتي. على الأقل، علم حكمتيار من هو العدو، فاطمأن ضباط ال «سي. آي. أيه» والمحللون. لكن من الناحية الأخرى، كانت اتفاقية الهدنة بين مسعود والسوفيت، الدليل العلني الأول على أنه بالإضافة إلى كونه عبقرياً عسكرياً، كان مستعداً لعقد صفقة مع أي كان، وفي أي وقت، وفي أي اتجاه، في حال رأى ان ذلك يخدم أهدافه. معركة طويلة شعر مسعود بأن اتفاقية الهدنة سترفع من منزلته وستضعه على قدم المساواة مع قوة عظمى، وقال مساعده، مسعود خليلي، متبجحاً: «تفاوض الروس مع واد». واكتسب مسعود من خلال هذا الاتفاق بعض الوقت لإعادة تنظيم قواته من أجل ما اعتبره معركة طويلة جداً في انتظاره. لم يسع إلى مقاومة السوفيت فحسب، بل إلى التنافس لاستلام السلطة في كابول، وعلى الصعيد القومي كما فعل الثوار الذين أعجب بهم من خلال قراءاته. وبالرغم من الغموض الذي لف الحرب، فقد خطط مسعود مسبقاً لتشكيل جيش تقليدي يستطيع احتلال كابول بعد خروج السوفيت. استغل فترة وقف اطلاق النار التي دامت أكثر من سنة لتخزين الأسلحة والمؤن والطعام من أجل قواته المسلحة الفقيرة والسيئة التغذية، وحصد فلاحو بانشير، الذين لم يتمتعوا بمواسم زراعة خارج نيران الحروب لسنين عديدة، غلالهم من دون أي مضايقات. وانطلق عدد كبير من قواته إلى جهات أخرى من البلاد لإنشاء تحالفات بالنيابة عن مسعود مع قادة جهاديين لم يزوروا بانشير قط. اعتمد مسعود على الهدوء ليتفرغ للهجوم على قوات حكمتيار. فقبل الهدنة، سنعمل فريقاً منحازاً لحزب حكمتيار بوادي أندراب المتاخم لشن هجمات على جناح مسعود، وقطع خطوط امداداته. وقاد مسعود هؤلاء المقاتلين إلى خارج الوادي بعيداً عنه للوقت الحاضر بواسطة غارة عسكرية واحدة مفاجئة. كانت بمثابة ضربة الافتتاح في الحرب الناشبة داخل الحرب الأفغانية. وفي الوقت الذي بدأت فيه الهدنة تنحل في ربيع العام 1984، كان مسعود يتنزه في بانشير في عربة فولغا سوداء مميزة. كانت العربة هدية من السوفيت لوزير الدفاع الأفغاني، لكن مقاتلي مسعود استولوا علىها عندما كانت في طريق سالانغ العام، ونقلوها إلى بانشير كهدية إلى قائدهم بعد ان فككوها إلى مئات القطع. عبر السوفيت عن استيائهم من خلال إرسال عميل سري أفغاني إلى بانشير، اطلق العميل النار على مسعود من مسافة ثلاثين قدماً، لكنه لم يصبه، وكشفت محاولة الاغتيال هذه عميلين شيوعيين أفغانيين آخرين وسط الثوار، بمن فيهم ابن عم مسعود الذي كان أيضاً أحد القادة. بقيت شبكة التجسس الخاصة بمسعود متقدمة على الدوام. في ربيع العام 1984، علم بان السوفيت ينوون اطلاق هجوم من عشرين ألف رجل على الوادي. لن يكون الغزو أوسع مما رأوه من قبل فحسب، إنما وفقاً لمصادر مسعود ستكون التكتيكات عديمة الرحمة أكثر من ذي قبل. خطط السوفيت لتعريض الوادي لاعتداءات جوية تدوم لأسبوع، ثم تم نشر الألغام في الأراضي حيث اطلقوا القذائف ليجعلوها غير قابلة للسكن لأعوام. أمر مسعود جميع سكان وادي بانشير بإخلائه في نهاية أبريل. وقبل ثلاثة أيام على تحليق الطائرات المقاتلة السوفيتية فوق ممر الوادي، قاد أكثر من أربعين ألف مواطن من بانشير إلى خارج الوادي، وخبأهم. وعندما دخلت القوات السوفيتية البرية، بالإضافة إلى عدد كبير من القوات الخاصة المعروفة باسم «سبيتسناز»، الوادي بعد أسبوع، وجدت وادي بانشير مدمراً بالكامل، وخالياً تماماً. خطط مسعود بحذر لعودته من الكهوف المخفية والمحصنة التي تحيط ببانشير، حيث أعاد تأسيس منظمته. وأطلق رجاله عملياتهم من سلسلة الجبال مطلقين النار على المروحيات التي حطت على أرض الوادي. نصبوا أفخاخاً للأعداء ونظموا هجمات مضللة، وحاربوا في الليل عندما كان السوفيت أكثر عرضة للخطر. عند إدخال قوات «سبيتسنارز» البارزة مع مروحيات الهجوم المتطورة من طراز «مي- 24» ومعدات الاتصالات، تم تحويل تكتيكات القتال والمواجهة تدريجياً إلى صالح السوفيت، انتشر حوالي ألفي فرد من قوات «السبيتسناز» في أفغانستان في العام 1984، وتصدت مروحيات «مي-24» المدرعة لجميع الرشاشات المضادة للطائرات التي كانت بحوزة الأفغان. وجد رجال مسعود أنفسهم ملاحقين في معركة برية غير متكافئة، من قبل قوات «سبيتسناز» المدججة بالسلاح، والتي تستطيع تسلق أجراف الوادي الوعرة بسرعة السكان المحليين أنفسهم. ونقلت إذاعة كابول ان مسعود قد قتل في الهجمات. وعندما سئل الرئيس الأفغاني باراك كرمال في مقابلة أجريت في وقت لاحق ذلك الربيع، إن كان مسعود ميتاً أو حياً، رفض كرمال الإجابة. سأل بازدراء: «من هو مسعود الذي تتحدث عنه؟». تنشئ البروباغندا الامريكية شخصيات وآلهة مزيفة.. يعرف ريغان جيداً بصفته ممثلاً كيف يؤلف دمى على الصعيد الدولي.. هذه الابتكارات هي معبودات طينية تتفكك على الفور. كان مسعود أداة في يد الامبريالية. لا أعرف إن كان حياً أم ميتاً، ولا أكترث لذلك. فقد حلّت مسألة بانشير».

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.