اختلفت الروايات حول مقتل طالب في منطقة الغزالة ريف كوستي حيث دارت مواجهات بين مزارعين غاضبين والشرطة في مشروع سكر سابينا، ولكن الثابت ان تلك المواجهة لم تكن الأولى في سياق الدائر هناك منذ عام 2006م الذي شهد توقيع عقد سكر سابينا في فندق السلام روتانا بين حكومة الولاية ومجموعة القلعة للاستثمار المصرية بتكلفة بلغت (900) مليون دولار كأكبر مشروع لإنتاج السكر بطاقة انتاجية تبلغ (600) طن، وكان مزارعون غاضبون أغلقوا الطريق الرباط بين كوستي والغزالة قبل نحو ستة أشهر احتجاجا على البطء الذي لازم تنفيذ المشروع والوصول لابرام اتفاق مرض للجميع، وكان والي النيل الأبيض الأسبق د. محمد نور الله التجاني اكد ان الولاية تكون قد استغلت 50% من اراضيها الزراعية البالغة (6) ملايين بتوقيع عقودات سكر سابينا ووعد بمعالجة أية مشاكل تنجم عن أي تسويات مستقبلية بشأن الأرض، غير ان التسويات لم تكن وحدها التي اعترضت أكثر من مرة طريق العمل، ويعزي أغلب من تحدثوا ل(الرأي العام) مخاوفهم لتجارب سابقة لم تكن مشجعة تخص تعويضات اراضي منحتها حكومة ولاية النيل الأبيض لمستثمرين، ففي سكر النيل الأبيض سالت دماء وقتل البعض في صدام مع الشرطة، ولعل إغلاق الطريق من قبل المزارعين في سابينا وطرد العاملين من الموقع كان تعبيرا عن تلك المخاوف التي شملت ايضا تعيين أبناء المنطقة في المشروع بتحديد نسبة معينة ومساهمة الشركة في التنمية المحلية لاسيما في القرى التي تعاني فقرا تنمويا، ولكن التحديات أمام الشركة لاتتوقف عند حدود الاسهام في التنمية ،فالتخلص من مخلفات صناعة السكر التي يمكن ان تلحق أضرارا بمصادر المياه والاراضي المحيطة بالمشروع بما فيها من ثروة حيوانية لايستهان بها، وقتها بعث اللواء (م) كمال الدين السيد مصطفى المدير التنفيذي لشركة سكر سابينا بجملة تطمينات لملاك الاراضي، وقال ان الشركة ظلت تفاوض المزارعين في الفترة من 2006- 2008م للوصول لاتفاق، وأبان ان الاتفاقية المبرمة بين الشركة وحكومة الولاية تشمل معالجات لأي تسويات، وأشار الى ان الشركة بدأت في زراعة الثلث الخاص بالمزارعين والبالغ (24,000) وذلك ( حتي قبل التوصل لاتفاق في فصل النسب استجابة لمطالب حكومة الولاية وقتها)، وقال كمال الدين ان الشركة راعت تعيين ابناء المنطقة بنسبة تجاوزت 90% في الوظائف العمالية وعملت علي ادخال بعض الخدمات الاجتماعية ذات الطابع التنموي بالتعاقد مع مقاول يتوقع ان ينتهي من العمل في المدارس المتفق عليها قبل بداية فصل الخريف الماضي، واستطرد: ( المشكلة وين ماكان عندنا خلاف وشغالين في التسوية)، واكد ان الشركة لم تطرح خططها ترحيل أي قري حتي تكون هنالك تعويضات، ولكنه عاد وقال: ( في الآونة برز خلاف عبر خلاله المزارعون عن خوفهم من ان لاتلتزم الشركة بري الثلث خاصتهم وتهتم بالثلثين الخاصين بالشركة)، وزاد: ( ولكن هذا غير وارد بتاتا لان كل الحقوق والواجبات منصوص عليها في الاتفاقية والشركة ملتزمة بتنفيذ الاتفاق بحذافيره)، واشار الى وصولهم لاتفاق مؤخرا مع المزارعين بفصل المساحة المخصصة لهم ( على ان تزرع الشركة نصف المشروع سكرا لان عائده أفضل للمزارع)، وابان ان الدراسات المصاحبة للمشروع ككل استغرقت عامين (2008-2010م)، في حين لاتزال بعض الدراسات مستمرة حول موقع المصنع والغابات والخرط الكنتورية لقنوات الري والطلمبة الرئيسية، وعزا جمال الدين تأخر الشركة في تنفيذ المشروع الى الأزمة المالية العالمية 2009- 2010م بالاضافة للتغييرات السياسية التي فرضتها الثورة المصرية باعتبار ان الشركة المستثمرة احدى أفرع شركة القلعة المصرية، وقال ان الاتفاقية وضعت حلولا لاية مشاكل بيئية وتحديد مواقع للغابات والمصارف ومسارات المواشي، ولكن تطمينات اللواء كمال الدين لم تفلح في فتيل الازمة بين الطرفين، وقبل نحو خمسة أيام تجددت المواجهات بين الشرطة والمواطنين إثر احتجاج طلاب على تلكؤ الشركة في تنفيذ وعود سابقة باعادة تأهيل ملعب الكرة هذا غير ما قالوا انها استفزازات تعرضوا لها من المسؤولين الموجودين في الموقع في منطقة الغزالة، وأدت المواجهات لمقتل طالب، وكان مواطنون غاضبون أحرقوا خيمتين للشرطة التي تحرس الموقع ومواسير مياه تابعة لشركة سابينا، من جهته نفى المدير التنفيذي للشركة اللواء (م) كمال الدين السيد مصطفى وجود خلافات بين المزارعين والشركة تسببت في الأحداث الاخيرة، وأكد في اتصال هاتفي مع (الرأي العام) ان الشركة أوفت بالكثير من التزاماتها وقامت بزراعة (4) آلاف فدان الموسم الماضي وستعمل على اكمال زراعة المساحة المخصصة للمزارعين هذا الموسم، وقال ان الأحداث ما كان لها ان تتطور لولا الشحن الذي تعرض له الطلاب الذين حضروا للموقع وطالبوا بمقابلة كبير المهندسين بالمشروع، واكد ان مطالب الطلاب كانت بسيطة وهي اصلاح الملعب لاقامة مباراة، وابان ان المسؤولين في الموقع وافقوا علي كل مطالب الطلاب ولكنهم لم يقتنعوا وأغلقوا الطريق العام الرابط بين كوستي والغزالة وأضرموا النيران في خيمتين للشرطة التي تحرس الموقع بعدد صغير ومواسير مياه تتبع للشركة في حين كانت هنالك طلمبة للوقود ومخازن، واضاف: ( انا طلبت من القوة الموجودة عدم التعرض للمواطنين والانسحاب من الموقع حتى لو أدى ذلك لإحراق كل ممتلكات الشركة)، وقال كمال الدين ان القوة التي حضرت من ربك عملت على تفريق المحتجين مما ادى الى وفاة طالب من عمره واصابة آخرين، وأبدى اسفه لمقتل الطالب واستطرد: ( القصة ما كانت تستحق ان تزهق فيها روح)، واكد ان الشركة ستجلس مع المزارعين من جديد لتهدئة النفوس والبحث في القضايا الخلافية، لاحقا قامت ادارة الشركة بترحيل الأجانب من الموقع في حين عقد اجتماع ضم الى جانب والي النيل الأبيض ونائبه المكلف وزير التخطيط العمراني ووزير الزراعة ومعتمد كوستي المكلف علي ادم عليان وممثل عن الشركة، وخلص الاجتماع، وفقا لمصدر فضل حجب هويته، الي تهدئة الاوضاع عقب مقتل الطالب واصابة نحو (11) شخصا واعتقال بعض المتحجين، واكد المصدر ان لجنة تم تكوينها لرأب الصدع بين المزارعين والشركة يشرف عليها وزير الزراعة، واشار الى ان من أهم الاسباب التي أدت لاندلاع الاحتجاجات الاخيرة الاستفزازات التي كان المواطنون يتعرضون لها من قبل بعض المسؤولين بالموقع في حال المطالب بتنفيذ أي من التزامات الشركة، واضاف: ( خلص الاجتماع الي موافقة المدير التنفيذي للشركة علي تغيير المسؤولين المتسببين في الأحداث الأخيرة ويرجح ان يكونوا من أبناء المنطقة وفقا للترشيحات)، وقال المصدر ان الشركة أبدت مخاوف من تجدد الأحداث ووصولها لدرجة مقتل طالب وطالبت المدير التنفيذي بسحب الآليات من الموقع وترحيل الأجانب ربما تمهيدا لإلغاء المشروع، ورغم هدوء الأوضاع حاليا في موقع الأحداث، الا أن بقاءها على ماهي عليه يبقى رهينا بعمل لجنة رأب الصدع التي كونتها حكومة الولاية وقدرة ادارة الشركة على تجاوز القضايا الخلافية التي طرحت جملة من الأسئلة لعل أهمها لماذا يكون ثمن الاستثمار والتنمية غاليا لدرجة إراقة الدماء وإهدار الأرواح؟.