منذ الكتمة الشهيرة في يوم 6/6/2011م، عندما أطلق الجيش الشعبي وقتها أولى رصاصاته لاغتيال العملية السلمية بالولاية، فارق جنوب كردفان أمنها واستقرارها الذي مكّن من إنجاز حزمة من المشروعات التنموية التي انعكست خيراً على مواطن الولاية بعد أن تحقّق له على أيام السلم أضعاف ما كان يسعى لتحقيقه بالحرب. مواطن جنوب كردفان هو الخاسر الأكبر من الحرب العبثية التي تتخذ من جبال النوبة مسرحاً لها، وقد دفع ثمنها ولا يزال غالياً، دون أن تلوح في الأفق بادرة جادة لتحقيق السلام في الولاية منذ إجهاض اتفاق نافع - عقار الشهير. ومن ذلك الوقت، ظل طرفا الصراع متخندقين في مواقفهما من غير أن يقدما من التنازلات ما يجعلهما يلتقيان في نقطة ما عند منتصف الطريق. ولذلك فَشلت مُحاولات الوسيط الأفريقي الخجولة لجمع الطرفين على مائدة التفاوض بأديس وعاد كل طرف لحسم الأوضاع بالولاية على طريقته. وكانت الحركة الشعبية قد انقضت على العديد من المبادرات الحكومية الرامية لتحقيق السلام من قبِيل ملتقى كادوقلي التشاوري للسلام الذي شكّل فرصة طيبة لإحلال السلام بالداخل وعبّر عن إجماع وانحياز جنوب كردفاني نادر لعملية السلام، ولكنه قُوبِل بقصف صواريخ «الكاتيوشا» التي قضت على الآمال في عودة متمردي الجيش الشعبي لطاولة التفاوض بعد أن أرسلوا رسائل حربية التقطتها الحكومة وتعاملت معها بما يستحق من حسم أعاد لها زمام المبادرة العسكرية في جنوب كردفان. أسوأ ما في تكتيك المتمردين بجنوب كردفان هو الرهان على الأزمة الإنسانية للمواطنين الذين يدعون الدفاع عن قضاياهم بهدف جلب الضغط الدولي على الحكومة في الخرطوم حتى يتم إضعافها ويتم جَررتها بعد ذلك لتسوية تحقق أهدافهم وأهداف دولة الجنوب كخطة ثانية في حال فشل خطتهم الأولى لإسقاط النظام. ورغم استفادة المتمردين في جنوب كردفان من وعورة منطقتهم التي تُشكِّل لهم ملاذاً آمناً وتعيق التقدم الجيش نحو «كاودا»، وما يجدوه من دعم غير خافٍ من دولة الجنوب، إلاّ أنّ الفترة الفائتة أثبتت عدم قدرتهم على تحقيق انتصار على القوات المسلحة في أيٍّ من مدن الولاية الكبيرة. بل على النقيض من ذلك فإن الأراضي التي يسيطرون عليها في تناقص مستمر، وبالتالي ربما كان من مصلحتهم، كما من مصلحة الحكومة كذلك الجلوس إلى مائدة التفاوض بهدف الوصول لتسوية سلمية تطوى ملف الحرب في الولاية التي جاءت خصماً على رصيدهم في مشروعات التنمية ومطلوبات الأمن. وأمس الأول، قال د. نافع بعد أن دعا الحلو وعقار التخلي عن أحلام اليقظة، قال إن الحرب لن تقف بجنوب كردفان طالما المتمردون يقاتلون من أجل إسقاط الحكم في الخرطوم وفق مُوجّهات تأتيهم من وراء البحار - حسب نافع -. فيما أشار مولانا أحمد هارون والي جنوب كردفان إلى المجهودات الخرافية التي بذلتها الحكومة لإبقاء الحركة الشعبية ضمن العملية السياسية ولكنهم اختاروا الحرب. وقال إنّ ما تقوم به الحركة لا يعبر عن تطلعات مواطني الولاية برفضهم الجلوس لإنهاء الأزمة بالولاية وتأسيس السلام المستدام. مهما يكن من شئٍ، فإنّ إصرار الحركة الشعبية على حمل السلاح يطيل من أمد الحرب بالولاية، وبالتالي من مُعاناة مواطنين كثيراً ما تتخذهم (مظاريف) لإرسال رسائلها السياسية الطائشة عبر قذائف «الكاتيوشا». الأمر الذي يفقدها ما تحظى به من سند - على قلته - بالولاية التي انحازت فعالياتها المختلفة لعملية السلام.