وقعت قوى الإجماع الوطني أو سمها الجبهة الثورية كما أرادت ذلك لنفسها ،وقعت على ميثاق سمي (الفجر الجديد ) في كمبالا ،يركز حول رؤية حكمهم للبلاد عقب إسقاطهم للنظام وإقامة حكم انتقالي مدته أربع سنوات ،وبالتالي جعلت في حكم الواقع أن النظام قد سقط فعلا وهي تتفاكر حول كيفية سد الفراغ أو تجنيب البلاد أي خلل مصاحب لعملية الانتقال هذه ؟ هل صدقتم ؟ سمت ما اخطته من رؤى حول حكم السودان وأدبيات سمعها القاصي والداني في أدبيات الأحزاب عبر العقود ابتداءً من المؤتمر الدستوري الجامع الذي نادى به حزب الأمة لربع قرن ،لكن الجديد في الأمر أن المعارضة تثق في أن كل ما كتبته إن حالفها الحظ في إسقاط النظام لن يكفي للملمة خلافاتها عندها وإظهار تناقضاتها الأيديولوجية بين أهل اليمين واليسار وأطروحاتها السياسية بين أهل المركز والهامش وأدبياتها السياسية بين حركات عسكرية وأحزاب سياسية ،فجعلت المؤتمر الدستوري عقب سقوط النظام وسيلة لإعادة الاتفاق حينها على كيفية حكم السودان ،خاصة الإبهام الوارد في المبدأ الرابع (إقرار دستور وقوانين قائمة على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استقلال الدين فى السياسة (الذي لن يتفق عليه بالتأكيد المهدي وصهره الترابي وفاروق وعرمان من الجانب الآخر .يقر الميثاق باستخدام كل السبل لإسقاط النظام بينما يعتمد مبدأ (عدم استخدام القوة العسكرية فى العمل السياسى او الانقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة ) ،فإذا كانت تستعمل ما تريد من وسائل ثم تسعى لإلزام الآخرين على عدم استعمالها فكيف يستقيم ذلك؟ الفجر الجديد يتحدث عن حكومة انتقالية من القوى الموقعة عليه ودستور انتقالي تضعه وتحكم به لأربع سنوات دون انتخابات أوليس ذلك طمعا في السلطة ذاتها وسعيا للإنفراد بها دون تفويض من الشعب لأربع سنوات هي مدة دورة انتخابية كاملة ،أوليس ذلك تهربا من خوض أية انتخابات قادمة يمكن أن تطالب فيها بما تشاء من ضمانات للنزاهة ورقابة دولية ؟ثم ما الذي يضمن أن تنفذ الحركات المسلحة التي تقول بظلم المركز للهامش في مختلف الأنظمة أن تنفذ وقف إطلاق النار الفوري الذي نص عليه الميثاق بمجرد اسقاط النظام.فما هي إستراتيجية المعارضة ومراميها من وراء الميثاق ؟يبدو أن المعارضة تريد أن تمارس سياسة الإيحاء بمعنى أن توحي للشعب السوداني بأن المعارضة والمجتمع الدولي الذي يقف وراءها قد حسما أمر اسقاط النظام تماما وأصبحت المسألة مسألة وقت فقط ليمكنه ذلك من تعبئة الرأي العام وحشده لصالح الاسقاط الذي لا تعرف آلياته ولا مآلاته ،يريدون لنا أن نصدق ذلك لتبدأ المرحلة الثانية بتشكيل حكومة موازية ونقابات موازية ويكثر السجال وتتشعب المغالطات حول شرعيتها سعيا نحو إضعاف شرعية مؤسسات الحكومة ،لكن ما ينقص هذا السيناريو أنها ليست المرة الأولى التي نسمع فيها ضجيجا ولا نرى طحنا منذ الشهر الأول لنظام الإنقاذ لم تصدق وعود المعارضة وتجمع أسمرا ما يجعلنا لا نصدق تحالف كاودا ولا ميثاق كمبالا. حاشية: لكم شهدنا في القريب المنظور كيف أن اختلاف المعارضة على رؤى ما بعد الإنقاذ جعلتها تختلف فيما أمامها من تحديات في كيفية إسقاط النظام على طريقة قصة صاحب زجاجة السمن الذي أخذ يؤمل سأبيعها وأشتري دجاجة ثم يكثر الدجاج وأشتري بقرة ثم ...ثم ...حتى إذا كثر مالي وناديت على أحدهم وتأخر عني ضربته بعصاي هذه (كشكشش) كانت ضربة العصا قد كسرت الزجاجة ودلقت السمن على الأرض وعصفت بكل أحلامه.