(حكم السودان لن يأتي عبر أمريكا وإسرائيل وكمبالا) عبارة حَدّد بها الرئيس عمر البشير الجمعة الماضية مثّلث الشر بالنسبة للخرطوم، مُستدعياً بغضب مكتوم تفاصيل استضافة كمبالا للحركات المسلحة والأحزاب المعارضة، ليمهر مناديبهم - افتراضاً - وثيقة الفجر الجديد. واشنطن وتل أبيب، بدت كعاصمتين معلومتان بالضرورة شرهما تجاه الخرطوم ومبرراته ونوازعه التي طرق عليها إسلاميو الخرطوم كثيراً، بينما ظل الاستفهام دائراً حول سر عداء كمبالا وتصدرها لكل ما يضر بالخرطوم. عبارة الرئيس البشير المباشرة في تحديد موقف عاصمته من يوغندا، لم تكن على ما يبدو وليدة انفعال لحظي أمام حشد جماهيري، بقدر ما أنه موقفٌ سائدٌ داخل الحزب الحاكم، فاستبق الرئيس البشير، مولانا أحمد إبراهيم الطاهر رئيس الهيئة التشريعية القومية في اعلان الموقف لدى لقائه برئيس البرلمان اليوغندي في أبريل من العام الماضي. وقال: (يوغندا تمثل قاعدة لكل العمل العسكري ضد السودان، وتدعم الحركات المسلحة في دارفور، كما أنها حالياً تتعهد بإصدار الشهادات لكل أسلحة الحركات المسلحة والحركة الشعبية، وان الخط العدائي يقوده الرئيس اليوغندي، لكن الوضع الاقتصادي لا يسمح للجنوب حتى بتجهيز كتيبة). مراقبون يرجعون الموقف اليوغندي الحالي تجاه الخرطوم إلى عوامل تاريخية ارتبطت ببدايات بروز تمرد جيش الرب بقيادة جوزيف كوني في شمال يوغندا، خصوصاً في مرحلته الثانية بعد فشل عملية السلام اليوغندي - اليوغندي وتجدد الصراع في العام 1994م، وتوظيف الإنقاذيين للتمرد مقابل العمل معاً على استهداف مقاتلي الحركة الشعبية إبان حرب الجنوب. من جانبها، الخرطوم في حقبة التسعينات لم تخف دعمها للتمرد اليوغندي على نظام يوري موسيفيني، وأعلنت أن الدعم السوداني ردٌ على الدعم اليوغندي للمتمردين في جيش الحركة الشعبية، ليبلغ واقع العداء العسكري حد اعتراف وزير الدفاع اليوغندي بحسب تقارير إعلامية نشرت في مايو 2003م بأن جيشه كاد يحتل جوبا بعد توغله العام 1997م بالجنوب حتى 39 كيلو متراً خارج جوبا.. تركة العداء المتبادل تلك تَمّ ترحيلها في سيناريو العاصمتين الى العداء السياسي السافر، وبلغ ذروته في أبريل الماضي إبان أزمة هجليج العام الماضي، فبادرت يوغندا بإعلانها الوقوف إلى جانب جوبا حال دخلت في حربٍ مع الخرطوم، وقبل ذلك كانت الإثارة في أنّ كمبالا ظلّت الدولة الأفريقية الوحيدة المُؤيِّدة لقرار الجنائية والداعمة بشكل أكبر لانفصال جنوب السودان. تحليلات الخرطوم وتفسيراتها لعداء كمبالا السافر وترحيبها في وقت سابق بما يضر السودان واستمرار دعمها للخارجين على حكم الإنقاذيين، لم تخرج عن أن ثمة مطامع إقليمية ليوغندا في الجنوب، وأن الخرطوم كانت تقف حجر عثرة في طريق تمريرها وأن الانفصال كان خطاً يوغندياً إستراتيجياً لجهة أن الجنوب الوليد لن يصمد أمام تكتيكات التذويب والضم والاحتواء اليوغندية. والفرضية وجدت حظها من التسيد برغم ما يحيط بها من مفهوم وصاية، الا أن فرضيات اخرى تذهب الى أن ثمة مصالح أجنبية تعد المحرك الأول والأكبر للعلاقة بين الخرطوم وكمبالا، لجهة ما اثاره وصول الاسلاميين في المنطقة من توتر لدى العديد من الدوائر الغربية بحسب الاسلاميين انفسهم ، وأن يوغندا تقوم بالوكالة بمحاولة تقويض أركان الخرطوم الاسلامية منعاً لتصدير النموذج، وهو الامر الذي يؤكده البروفيسور حسن مكي في حديث سابق ل(الرأي العام) بقوله(العديد من القيادات والرموز في منطقة البحيرات ووصلت للسلطة في أوقات متقاربة، تربت في أحضان النموذج الغربي عامة والأمريكي خاصةً، ما يجعل قيم الولاء تتجه لأمريكا بأكثر من مصالح دولهم أو جيرانهم، وظلوا بمثابة اداة طيعة لتمرير استراتيجيات واشنطون في القارة) ، ويذهب البروفيسور الى ان موقف يوغندا من دعم الحركة سابقاً وحالياً ، يرتبط لحد كبير بالعلاقة الشخصية بين جون قرنق وبين موسيفيني قبل أن تتدخل العوامل الاخرى.. مكي وطبقاً لدراسات سابقة انتجها حول الامر، أشار الى أن الازمات الحقيقية بدأت بشكل مكتوم بين العاصمتين منذ طلب موسفيني من الإدارة الأمريكية إنشاء منطقة عازلة بين السودان وأوغندا، الامر الذي فسرته الخرطوم كمخطط أوغندي لدعم إنشاء دولة في جنوب السودان منذ وقت مبكر، بيد أن الراجح أن يوغندا تنظر لجوبا في الحد الادنى حالياً وبحسب رأي الكثير من الاقتصاديين والسياسيين والمهتمين كسوق كبير يعد نوعياً وكمياً افضل من دول اخرى أكثر تخلفاً تجاور يوغندا، ويدللون على ذلك بكثافة الوجود التجاري اليوغندي برغم باهظية الضرائب وعدم استقرار المجتمع.. عامل آخر كشف عنه عضو مجلس التحرير الثوري بحركة التحرير والعدالة د. عبد الناصر سلم لدى اقامته بكمبالا في وقت سابق قبل توقيع الدوحة، تمثل في أن مسئول محاربة الارهاب في القارة الافريقية المعتمد من قبل الادارة الامريكية هو موسيفيني نفسه ، الذي يعمل على المضي قدماً في حياته السياسية بدعم مباشر من واشنطون وقال( حرص موسيفيني على تمثيل وتبني مصالح واشنطون في القارة قاد كمبالا لخلافات مع كافة دول المنطقة وعلى رأسها السودان) واضاف(طيلة فترة اقامتنا كانت البديهيات أن الاقتصاد اليوغندي يعتمد على الجنوب سواء أكان دولة أو اقليماً).. عموماً وثيقة الفجر الجديد ، بدت كشرارة اشعلت كل غضب الخرطوم واعادت انتاج المواقف السلبية القديمة لكمبالا تجاه السودان، وشحذت همم المفوهين لتوصيف تصرفها في استضافة الاجتماع، وأعتبر الخبير الامني حسن بيومي أن الدور اليوغندي غير مرتبط بأية حالة سودانية سواء أكانت عدائية أو سلمية تجاهها ، بل إنها مرتبطة بأجندة قديمة متجددة وقال في حديثه ل(الرأي العام) إن الصراع في اصله بمحفزات اسرائيلية لاكمال مشروع قديم هو مشروع الحزام الكنسي المرسوم من اسرائيل بقيادة نايريري وضم تنزانيا و يوغندا وارتريا وإثيوبيا وجنوب السودان وكينيا واصطدم بعقبتين أساسيتين ، وجود جنوب السودان وأرتريا ضمن دول اخرى، بالاضافة لوجود عيدي امين المسلم في يوغندا، ليغزو نايريري يوغندا لاسقاط نظام أمين، وانتظرت اسرئيل كل تلك المدة لاكمال مشروعها بوجود دولتي ارتريا والجنوب) واضاف( بالتالي فإن أي مساعى دبلوماسية أو مشاريع صلح بين الدولتين السودان ويوغندا ستصطدم بالاجندة القديمة خصوصاً وان موسيفيني صنيعة أمريكية اسرائيلية).. ورهن بيومي اغلاق ملف يوغندا وقطع الطريق على استهداف الخرطوم بحسم كل القضايا العالقة مع الجنوب ، لجهة أن الجنوب بشكل غير مباشر تحت الحماية الامريكية ومشاريع ضغط الخرطوم امريكية بالتالي الوصول لحلول سريعة مع الجنوب سيقلل من الضغوط الامريكية ويفتح الباب لاعادة العلاقات بين واشنطون والخرطوم ، ما يعني رفع اليد اليوغندية عن استهداف الخرطوم..