بدون ترتيب سابق تابعت قضية شديدة الأهمية وربما في اهمية استعادة السودان لعلاقاته الأقليمية بعد سنوات حادة من العداء والقطيعة والأغفال. وقد يبدو لافتاً للانتباه ان يكون محورها في مجلس الولايات في قاعة مجلس الولاياتبام درمان وليس في المجلس الوطني او في مجلس الوزراء ، ما يعكس مستوى الجدية والتركيز والانتقاءللقضايا الحيوية في هذا المجلس الذي يضم شخصيات ذات قرارات او خبرات وتجارب يصعب الاستهانة بها ، وهذا يوازي في الأهمية مجلس الشيوخ الذي عرفه السودان كقرين للبرلمان في الخمسينات 1956- 1958 وكان يضم شخصيات ورموزاً سودانية . والقضية طرقت تساؤلاً ملحاً لماذا غاب السودان عن مقاعد الصدارة في المنظمات والهيئات الاقليمية والدولية ؟ ومن وراء الخلل الذي افضى الي غياب الكفاءة السودانية عن مواقع عرفوها وعرفتهم . ربما يفيد قبل الاجابة ان ورد واقعة لقاء لنا، البروفيسور يوسف اخصائى جراحة الكلى الاشهر ببريطانيا للسيد الصادق المهدي بمنزله في ام درمان، قال السيد الصادق المهدي في زيارة رسمية كرئيس للوزراء لعمان أفضي اليه الملك حسين بن طلال عاهل الاردن صاحب الخبرة والدراية الواسعة في الحكم والشأن العربي بحديث مفاده أنه عرف السودان واهله جيداً ويشهد لهم بقدرات معرفية لرموز سياسية التقى بها ولمس كفاءة وخبرة في شخصيات مختلفة لسودانيين في منظمات وهيئات اقليمية ودولية الى جانب تعامل رفيع وسلوك محترم ووصفهم بأنهم «ثروة قومية» ىنبغي التباهي بها واضاف الملك الراحل انه عرف كافة شعوب العالمين العربي والاسلامي والاوروبي ولكن شعب السودان تميز بالتدين والوعي والنبوغ بلا منازع. وألجأ ايضاً من جانبى للذاكرة بالاشارة الى ان الخبرات والمؤهلات السودانية المتقدمة اخذت طريقها الي المنظمات الاقليمية والدولية مبكراً ربما قبل اي بلد عربي او افريقي واسيوي فالسيد حمزة ميرغني حمزه شغل منصب مدير صندوق النقد الدولي ومع ذلك لم يتردد في الاستقالة من المنصب الرفيع لدى دعوته للمشاركة كوزير للمالية والاقتصاد في حكومة السيد الصادق المهدي عام 1966 والسيد مامون بحيري اول محافظ لبنك السودان ووزير للمالية والاقتصاد وكان رئيساً لأول بنك للتنمية الافريقي وراء فكرته والتخطيط له وتنفيذه والسيد محمد احمد ابورنات رئيس القضاء في السودان شارك في صياغة قوانين حقوق الانسان وترأس لجانها في الاممالمتحدة ونيويورك وجنيف والسفير احمد مختار الذي اسس الدبلوماسية في دولة الامارات العربية المتحدة والاعلامي فيما بعد البروفسير علي شمو الذي اسس وزارة الاعلام في دولة الامارات وظل مستشاراً لها لعدة سنوات والدكتور التجاني الماحي والدكتور طه بعشر في هيئة الصحة العالمية والقائمة تطول والتي تظهر ان السودانيين تقلدوا مناصب رفيعة في كافة التخصصات والمواقع الاقليمية والدولية ونتذكر ان اكثر من شخصية سودانية مثل السيد محمد احمد محجوب والسفير عديل جرى ترشيحهما لرئاسة الجمعية العمومية للامم المتحدة ووقفت إلى جانبهما معظم الوفود ولكن تدخلاً استثنائياً حال دون وصول السودان لرئاسة المنظمة الدولية وكذلك تولى السيد عز الدين السيد رئاسة اتحاد البرلمانيين الدولي مما جعله أول رئيس سوداني عربي مسلم يتبوأ هذا المنصب الرفيع وفي منافسة قوية وضد مرشحين أوروبيين بارزين . وبايجاز فان مجلس الولايات او مجلس الخبرات او مجلس الشيوخ طلب من وزارة الخارجية اطلاعه على اداء الدبلوماسية السودانية والمستجدات على الساحة الاقليمية والدولية ، وقدم وزير الخارجية المناوب السيد السماني الوسيلة تقريراً وافياً غطى كافة الاتجاهات التي تتعامل معها الدبلوماسية السودانية ودار النقاش الجيد من جانب الاعضاء حول هذه السياسات عن الصدارة ومواقع العمل في المنظمات الدولية. وكانت الاجابة المفاجئة او الرد الصدمة من جانب الوزير أن السودان لا يأخذ مكانه ولا حصته في الوظائف الاقليمية والدولية نتيجة للعجز عن سداد الاشتراكات في المنظمات الاقليمية والدولية الي جانب جهود من منظمات ودول للحيلولة دون اسماع صوته واحاطته بصورة سالبة ، واضاف ان عدم سداد الاشتراكات السنوية وفي مواعيدها يحدث نتائج وخيمة لا تقتصر على حجب الوظائف في هذه المنظمات وانما تمتد الى عدم مشاركته في التصويت في اي قضية اقليمية او دولية كبيرة وتمتد ايضاً الى ضياع منح ومعونات لانشطة انسانية اوثقافية ولم يتردد الوزير السماني في القول أن المرء ليخجل ان يكتشف مثلاً َ ضياع هبة قدرها سبعة ملايين دولارلأن السودان لم يسدد اشتراكه لهذه الجهة وهو اشتراك علي اقساط ولا يتجاوز ال70 الف دولار . وساند «مجلس الخبرات» سياسات ومواقف الدبلوماسية السودانية وشدد على ضرورة ان تكون ميزانية وزارة الخارجية متكاملة اي توفر الاشتراكات المالية مسبقاً ليستطيع السودان تقديم اسهامه اقليمياً ودولياً لأن وجوده وتمثيله فيها ليس باقل اهميةمن وجود التمثيل الدبلوماسي في عواصم العالم . ما يثار في هذا المجلس «مجلس الولايات» او مجلس الحكمة جدير بالمتابعة والالتفات .