كثرالحديث عن التصدى لظاهرة الفقرعن طريق منح قروض مالية صغيرة الحجم لمساعدة لفقراء فى اقامة مشاريع مدرة للدخل عن طريق مصارف متخصصة، كما اقترح ان تقوم هذه المصارف بخدمات التمويل للفقراء بطرق غير تقليدية تأخذ مسألة القروض كقضية (اجتماعية وانسانية) تتم بطريقة ميسرة مع مراعاة ظروف الفقراء وطريقة السداد المريحة التى تتطلبها هذه الشريحة من المستفيدين من القروض المصرفية، كما أضيف لعمل مثل هذه المصارف السعي الى اكتشاف قدرات وامكانيات الفقراء وتشجيع الادخارلدى هذه الطبقات ودراسة المشروعات والقيام بكل ما هومطلوب لانجاح المشروعات من تسويق وتدريب وتمويل وخلافه،ولابد من الاشارة الى ان المصارف المقترحة لا تخرج عن كونها مملوكة للدولة اومصارف ممولة بواسطة المنظمات غير الحكومية اومصارف قطاع خاص تهدف فى الاساس الى تحقيق الربحية..والسؤال هو: كيف لمثل هذه المصارف ان تعمل بطرق غير تقليدية وتحقق ارباحاً فى نفس الوقت..؟ وما هو الهدف من التمويل؟.. هل هو منحة ام تمويل بغرض تحقيق الارباح؟ وكيف للمصرف الذى يتعامل بشروط أقل من الشروط التي يمليها عليه السوق ان يستطيع المنافسة فى السوق وتحقيق ارباح وبذلك يستطيع ان يحقق الاستدامة للمشروع؟. المنظمات غيرالحكومية الاقليمية والدولية والمحلية وصناديق التمويل الخاصة ،وبالرغم من انها جاءت فى الاساس لمساعدة الفقراء فى الدول النامية الا انها لجأت الى تنظيم الفقراء المنتجين فى شكل جمعيات وألزمتهم بنظام الادخار الاجباري للتأكد من جديتهم وأخذت سعرفائدة أقرب الى سعرالفائدة التجاري وذلك بعد ان وصلت الى قناعات بان التمويل المدعوم لا يساعد الجهة المستهدفة للاستفادة من القروض المقدمة لأن النظرة إليه ستكون كالنظرة الى المنحة التى تقدم بدون عائد، كما انه أيضاً لا يساعد المنظمات على الاستدامة فى تقديم مثل هذا الخدمة،هنالك قناعات غيرصحيحة تولدت لدى الكثيرمن الذين يقترحون انشاء بنوك للفقراء لتمويل مشاريعهم بأن المصرف يمكن ان يقوم بتدريبهم ليدخلوا مجالات الانتاج كما ان هنالك قناعة غيرصحيحة بأن هنالك فرصاً واسعة لتسويق المنتجات التى ينتجها الفقراء وان (ثقافة القروض المؤسسية) منتشرة وسط الفقراء، وان الفقراء لايعرفون امكانياتهم وقدراتهم ومهاراتهم الانتاجية والعملية ويحتاجون لمثل هذه البنوك لاكتشافها. فى حقيقة الامراثبتت التجارب ان المنتجات التى تنتج بواسطة الاسرالفقيرة ضعيفة العينات والتسويق وان جزءاً كبيراً من الفقراء ليس لديهم المهارة والخبرة اللازمتين للانتاج ،وان التدريب قصيرالأجل من أجل منح التمويل يلجأ إليه الفقراءوغيرهم من صغارالمنتجين ليس لكسب المهارات بل للفوز بالتمويل ،هذا لا يعني ان كل الفقراء غير جديرين بالتمويل ولكن هذا الامرمبالغ فيه لأن نسبة الفقراء التى تملك المهارات والخبرة ولها الرغبة فى عمل مشروع انتاجي اوخدمي يحمل صفة (تجاري) نسبة ضعيفة جداً فى كل البلدان الفقيرة ،وكلنا يعلم ان واحداً من اسباب الفقرالاساسية يكمن فى عدم توافر المهارات والخبرات اللازمة للانتاج وتوفيردخل ثابت عند كثيرمن الفقراء ،حتى اذا تم تمويل كل الفقراء فان المؤسسة التمويلية لا تضمن الاستدامة لان نسبة الاخفاق فى السداد وتكلفة القروض ستكون كبيرة.. كما ان الفقراء لا يتعاملون مع التمويل المؤسسي ويشكلون اخطر شريحة لحاجتهم الماسة لهذه القروض فى الصرف اليومي على الحاجيات الاساسية، وحتى لا تقتل مثل هذه الافكاروحتى لا تتضررالشريحة المنتجة من الفقراء يجب التفكير فيها بعقل وليس بعواطف مراعاة فى ذلك التجارب العالمية الفاشلة التى حاولت مساعدة الفقراء عن طريق القروض المؤسسية قبل التجارب الناجحة. قد توفرآلية تمويل المشروعات المتناهية الصغر لدى شريحة الفقراء فرصة فى معالجة الفقرولكن على مستوى ضيق للغاية ،الا ان هنالك معضلات عملية تتلخص وفى الاساس فى ضرورة وجود التمويل غيرالمدعوم وبالحجم الكبير الذى يمكن ان يحل مشكلات الفقر. ان النجاح الكبيرالذى تحقق لبنك (جرامين) ببنغلاديش اعتمد على التمويل المؤسسي بسعرالفائدة الجاري والذى بلغ (16%) فى العام ولكن بدون ضمانات خارج ضمانات المجموعة ،مساعدة الفقراء تتم فى الغالب فى شكل منح غيرقابلة للاسترداد عن طريق الحكومات او المنظمات ،ولكن فكرة انشاء مصرف متخصص يمنح التمويل لشريحة الفقراء تقبل ان تتعامل بالشروط التجارية فى منح التمويل ولديها المهارات والخبرات اللازمة قد يوفرالتمويل للقادرين ويضمن استمرار المشروع،اما ان يكون هنالك مصرف لمساعدة كل الفقراء او كل من يتقدم بطلب التمويل وبشروط ميسرة فان نهايته ستكون الإفلاس ولن يستطيع تقديم الخدمة التى من اجلها قام على المدى البعيد لان تكلفة المشروع قد تكون اكبرمن عائده.. الحل الآخر والذى يضمن الاستدامة وتخفيض تكاليف التمويل يكمن فى ان يكون عن طريق المصارف القائمة بتوسيع قاعدة التمويل فيها عن طريق زيادة رأسمالها وودائعها لتشمل الفقراء القادرين والراغبين فى الاستثمار صغير الحجم، علماً بأن هذه الشريحة فى كل دول العالم ضعيفة للغاية.