انه تعبير عاطفي مقدر ان تعيش قرية "كوغيلو" جذور الرئيس الامريكي الفائز اوباما، الواقعة على شواطئ بحيرة فيكتوريا ، ساعات مفعمة بالفرح الجياش، حين تلقت في الصباح الباكر يوم الاربعاء الماضي نبأ فوز"ابنهم" في الانتخابات التاريخية، التي وصف خواتيمها الكاتب الامريكي توماس فريدمان بأنها كانت نهاية للحرب الاهلية الامريكية، التي بدأت قبل" 147 " عاماً في فيرجينيا المعروفة بعنصريتها اللاهبة. ومبعث التقدير ان كرنفالات" كوغيلو" بفوز اوباما، ليس أكثر من انفعال طبيعي لاسرة بابنها الناجح سياسياً، أو هو ترجمة تلقائية لشعور أناس بسطاء يتشوقون لحياة أفضل، فاسقطوا "الحالة" الامريكية الاوبامية، التي أتاحت الفرصة لابنهم ان يكون رئيساً لاكبر دولة في العالم،على ما يعتملونه من رغبة عميقة في تغيير حالهم في قريتهم، فنما فيهم الامل، فكان تعبيرهم عن الأمل صارخا لافتاً، ان دوزنوا الطبول ورقصوا تلك الرقصة الافريقية المميزة. ولا حرج فليرقصوا، وهل وشاحات الامل أشياء تشترى؟! ولم تتوقف الكرنفالات عند أهل" كوغيلو"، فقد انتقلت العدوى لباقي كينيا، ذات الشعور اجتاح باقي الاسماء الكينية والعاصمة نيروبي، وشارفت القصر الرئاسي. ولكن بدا لي ان الترجمة" الرسمية" للحالة الشعورية الكينية بفوز اوباما جاءت خاطئة، حرفية في افضل الاحوال، تعاملت مع الاشكال، واغفلت المعاني. شابت الترجمة مبالغات واسراف وغلو وفرح غير مؤسس. ينطبق عليه المثل الدارفوري القائل:"عاطل في حقو وفالح في حق جارو". المثل يقال لمن يتفاعل مع ما يفعله الآخرون أكثر من تفاعله مع ما يفعله هو لنفسه او للآخرين! فقد اعلنت الحكومة الكينية عن عمق فرحها بالفوز الكبير في"امريكا"، ولم تتوقف عند ذلك الحد، بل قامت بمنح البلاد"كينيا"عطلة رسمية ليوم واحد الخميس،"ابتهاجا" بفوز اوباما، وهو القرار، الذي لم يتخذه جورج بوش، ليتيح الفرصة للامريكيين للابتهاج بالفوز التاريخي لرئيسهم الجديد، ليتجلى ، هنا، خطأ الترجمة الرسمية للحدث الكبير. حكماء كينيا اغفلوا، في خضم تعبيرهم، عن فرحهم ان يخضعوا الحالة الامريكية في الممارسة الديمقراطية لمقارنة، ولو عابرة ، مع ما حدث في انتخاباتهم العام الماضي. بين انصار"البرتقالة"، التي يمثلها رئيس الوزراء رايلا اودنقا، و"الموزة"، التي يمثلها الرئيس كيباكي، ليخرجوا بمقاربات حية ومفيدة بين ديمقراطية رفع" الاعلام " وديمقراطية رفع" السواطير"، تفيد بلادهم بلا شك. الترجمة الرسمية الكينية الصحيحة للحدث التاريخي، تبدأ باصدار قرار بتشكيل لجان قومية ومحلية، وشعبية في"كوغيلو"، ترصد رحلة الفوز الكبير، منذ بدء الحملة ، وحتى لحظة اعلان فوز اوباما، وتقديمها في كتاب" يُقرأ" في شتى مناحي الحياة. فالديمقراطية نظام حياة راقٍ، فإن لم تكن ثقافة تسري في العقل والدم والوجدان والمزاج العام، فمن الصعب ترجمتها، بين يوم وليلة، بالصورة الصحيحة،على أرض الواقع. فمن يحاول فرضها بقرار يكتب او فرمان يعمم، لا عبر التربية والتثقيف والتدريب، فهو كمن يزرع في ارض"مبودة"، لن يحصد شيئاً، او يحصد ديمقراطية" السواطير"، كما حدث في صراع"الموزة" و"البرتقالة".الكينيون لا يحتاجون الى الرقص مع اوباما على ايقاع الرآب، وكفى، بقدرما يحتاجون الى ما يثبت قدرتهم على عدم تكرار ديمقراطية"السواطير"، مستلهمين ما تحقق في امريكا.