محطة تقرير المصير بين شمال وجنوب السودان هي محطة مفصلية في تاريخ البلاد لما لها من أثر تتأرجح مدلولاته ما بين الوحدة والانفصال.. في بادرة منها لرسم السيناريو المحتمل لتداعيات ذلك على جنوب السودان وشماله، حاولت مؤسسة (طيبة برس) بالتعاون مع منظمة تراث للتنمية البشرية توضيح كل ما هو متوقّع ... ولم يستبعد المشاركون في المنتدى انفصال الجنوب عن الشمال، لكنهم أكدوا بأن الوحدة خيار لا يمكن الوصول إليه إلا عبر بناء جسر من الثقة بين شريكي نيفاشا. قال د. لام أكول أجاوين رئيس الحركة الشعبية- التغيير الديمقراطي- إن المشكلة أننا بعد «53» عاماً من استقلال السودان نتحدث عن الوحدة والإنفصال رغم أننا أول بلد أفريقي نال استقلاله، فيجب علينا أن نسأل أنفسنا لماذا نتحدث عن الوحدة والإنفصال وهما مربوطان بالكثير من العوامل، فالدول الإستعمارية لم تراعِ لوضع الحدود بين الدول ووجد الناس أنفسهم داخل هذه الدول لذا لا مفر من التعايش على هذا الأساس. أما رئيس جبهة الإنقاذ الديمقراطية المهندس فاروق جاتكوث اعتبر أن غياب المشروع القومي لجيل الاستقلال هو الذي أوصل البلد إلى هذه المرحلة. وقال: «لا أود تناول الجانب التاريخي للسودان سوى بوصفه بأنه تاريخ أسود وسيئ». وأضاف أن الظروف التاريخية شاءت أن يكون هناك حوالي «583» قبيلة في مساحة السودان وتتحدث حوالي «270» لغة ويقعون في خارطة ثقافية تتكون من «11» مجموعة ثقافية، مشيراً إلى أن «السودان بدأ من منطلق إختلاط الحابل بالنابل، وأكمل حديثه :- «قبل الاستقلال رأينا كيف فشل جيل الحركة الوطنية وجيل الاستقلال في بناء المشروع القومي لدولة اسمها السودان كما هو الحال في أي دولة استقلت. وأشار الأستاذ ملونق مجاك القيادي بالحركة الشعبية وعضو المجلس الوطني إلى أن الوحدة التي تطرحها الحركة الشعبية هي وحدة عادلة يتساوى فيها كل الشعب السوداني وتم تضمينها في مباديء الإيقاد، وأضاف أن الحركة وضعت في أجندتها حق تقرير المصير وليس الإنفصال، وأنها ثبتت خيار السودان الجديد أو حق تقرير المصير كخيار ثانٍ، وطالب ملونق بالرجوع مرة أخرى إلى مباديء الإيقاد التي أتت باتفاقية السلام والتي تحدثت عن أمرين، هما حق تقرير المصير والتحول الديمقراطي، وقال إن الحركة طرحت الكونفدرالية كآلية انتقالية، ولكن الحركة في خلال التفاوض مع الإنقاذ ورد رأي بالنظامين في قضية الوحدة والإنفصال لفترة انتقالية. وأكد أكول أن إدارة التباين هي التي تحدد وجود تجانس داخل الدولة أو العكس أياً كان نوعه ثقافياً أو دينياً، وعندما نتحدث عن السودان من هذه الزاوية نرجع للتاريخ، حيث أننا الدولة الوحيدة التي كانت تحت استعمار ثنائي فانعكس الصراع بينهما على واقع السودان، ويمكن أن أقول إن الاستقلال جاء نتيجة لانعكاس العلاقة بين دولتي الإستعمار الثنائي. واستطرد قائلاً إن الوعي السياسي الجنوبي بدأ بالحديث عن مشاركتهم في الحكم وفي الخدمة المدنية، وإنه عند السودنة شعر الجنوبيون بأنهم لن يشاركوا في الوظائف التي تركها الإنجليز خلفهم عدا «6» وظائف من جملة «800» وظيفة، وتحدث بعدها الجنوبيون عن الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب ثم بعدها الحكم الفيدرالي، وكونوا الحزب الفيدرالي، ولكن كل هذه المطالب كانت تواجه بمعارضة عنيفة وقوية وصفت بأنها انفصال، وأشار أكول إلى أن عجلة التاريخ دارت ليتحدث الجميع الآن عن الفيدرالية بأنها أفضل نظام للحكم في السودان.. وقال إن كل الذين طالبوا بالفيدرالية جرى اعتقالهم مما دعا الكثير منهم للهروب إلى كينشاسا من قهر السلطة العسكرية، وإن الحزب الوحيد الذي كان يطالب بحق تقرير المصير كان حزب الجنوب الذي دخل مؤتمر المائدة المستديرة بهذا المطلب. وأضاف: عندما نتحدث عن الوحدة الطوعية نعني أن هناك خياراً وأنك تسأل الشخص المختص ليجيب طوعاً أنه يريد الوحدة. وأضاف: أمامنا خيار مهم في تاريخ السودان الوحدة أو الإنفصال، فالشريكان التزما في الإتفاقية على الوحدة الجاذبة لشعب الجنوب، واذا افترضنا بأن الاثنين اتفقا على العمل وسط الناس بخيار الوحدة، فشعب الجنوب سيختار الوحدة، وهذه فرضية لن تتحقق. واختتم أكول حديثه بقوله لابد من بناء الثقة بين الشريكين لأجل الوحدة وأنه لا تكفي الإنجازات المادية، وأن عليهم الدخول في نقاشات عميقة بهدف الخروج برؤية موحدة، لأنهم حتى الآن لا يملكون تصوراً موحداً بشأن الوحدة أو الإنفصال. وأضاف أن الشريكين أضاعا وقتاً طويلاً في قانون الإستفتاء ولم يتناقشا حول المطلوب عمله في حالة الإنفصال، لأننا لا نريد أن ندعي أن الإنفصال غير ممكن وأنه احتمال غير وارد، وهم يتحدثون في الصحف والمنابر بأن 90% مع الإنفصال بغض النظر عن أنهم وصلوا لهذا الرقم مع أنني أشك في وجود جهاز لمثل هذا القياس، فهم لا يعلمون بأنهم يريدون انفصال الجنوب أم لا؟ ليبقى السؤال، ماذا فعل الطرفان لمواجهة هذا المد الإنفصالي؟ وأقول إنه لا يوجد جهد في هذا الجانب وهو أمر خطير جداً، إذ أنه لو حدث الإنفصال غداً من غير اتفاق على ترتيبات ما بعده وكيفية تقاسم الأصول والموارد، سينهزم الهدف الأساسي لاتفاقية السلام، بمعنى أنه ومهما كانت نتيجة الإستفتاء يفترض بعدها أن يتحقق السلام الذي يعني وحدة وجواراً أخوياً، وهو لا يتحقق إلا بعمل مشترك بينهما. غياب المشروع القومي فانقسمت النخبة حول التبعية، إما للتاج المصري أو بادعاء الاستقلال تحت التاج البريطاني وهنا ضاع السودان في المنتصف وحتى عملية تقرير المصير التي كانت مقررة سابقاً أصبحت غير موجودة. وشدد جاتكوث على أهمية الخطة الراهنة وقال: «حذاري من عملية الوحدة أو الإنفصال، اذا كان برلمان واحد أعلن فيه الإنفصال فما بالك بالجنوب الذي به «11» برلماناً، لا اعتقد أن الجنوب سيكون لديه تردد في إعلان الاستقلال من خلال أي من هذه البرلمانات». وأضاف «لابد أن تبنى الوحدة بمعايير مختلفة وأنا لا أؤمن بالوحدة الجاذبة، لأن الجاذبية حالة لحظية تنتهي لأي سبب وعليه أرى أن الوحدة تبنى على مصالحة الماضي وبالإقتناع المتبادل. وبرده على سؤال عن أثر الوحدة والإنفصال على الشمال وجنوب السودان قال: لا أثر للوحدة في اعتقادي الشخصي منذ 56م وحتى الآن وهي غير موجودة. وأضاف: أما تأثير الإنفصال على الدولة المتبقية اذا كان اسمها شمال السودان أو أي مسمى آخر، مكملاً: «للأصول الثابتة والمنقولة لدولة السودان قبل الإنفصال، وهي أصول موجودة وسيتم النقاش فيها بعد الإستفتاء مباشرة، ديون السودان الذي هو مدين حتى النخاع وسيحدث جدل في هذه النقطة ونصيب كل دولة من هذه الديون، الإحتياطي من العملة المحلية والأجنبية الصعبة والإحتياطي من الموارد النفيسة الذهب واليورانيوم إن وجد. وعن مصير الجنوب في حال وقوع الإنفصال قال «الجنوب سوف يكون مثل الطفل الذي يحبو- سيقوم ويقع ولكن ليس بمثل ما يصور الآخرون أن الجنوبيين سوف يتحاربون، ويضيف: كيف سنتحارب؟.. هل كان الجنوب معافى منذ استقلال السودان لنحكم عليه بهذه الصورة؟.. وأجاب أن كل اتفاقيات السلام الحالية، كما قال د. لام أكول استفادت من كل المآلات التاريخية على كل الإتفاقيات السابقة والتاريخ الأسود لنقض العهود. ومضى مكملاً لحديثه: إن الإيجابيات للدول في الألفية الثالثة تتحدث عن مصالح دائمة وليست عداوات دائمة. وأن الجنوب بالموارد الضخمة التي يضمها يمكن أن يتقدم اذا وجد حكماً راشداً وينطلق كدولة ونأمل في ذلك. وعن السلبيات المتوقعة أشار أنه من ضمنها الوضع الأمني الموجود والناس كادت تفقد الأمل في الإتفاقية وأن الحركة الشعبية فشلت وحكومة الجنوب فسدت، أنا أقول العكس طالما نحن موجودون حتى هذه اللحظة. الوحدة التي تطرحها الحركة ويرى ملونق أن تقرير المصير قبل الانتخابات هي قولة حق أريد بها باطل، إذ لا يمكن أن تختزل العلاقات بين الشعب السوداني في الشريكين. وأضاف أن الوحدة الجاذبة هي برنامج الحزبين وتحتاج إلى القوى السياسية الأخرى وحركات دارفور ومنظمات المجتمع المدني، فحتى لو انفصل الجنوب هناك حقيقة موجودة هي امتداد شريط تمازج من راجا حتى الناصر، والمصالح بين الجنوب والشمال هي حقائق موجودة على الأرض.