أسعدني أن ينضم الأستاذ الفاتح سيد أحمد حمودي، ابن المرحوم العقيد (العميد) سيد أحمد حمودي قائد سلاح المظلات وذبيح بيت الضيافة، إلى ركب الداعين لطي سجل مذبحة 22 يوليو 1971م، فقد بعث إلىّ برسالة عرفني بنفسه ورقم تلفونه. فأتصلت به ووجدته كما صورت حال أولياء دم المذبحة في كلمتي الأولى عن هذا الأمر: أول من لا يعلم عن مرتكبيها شيئاً. ولم يعثر على خيط يسوق إلى قتلة والده حتى بعد سؤال بعض أعضاء مجلس قيادة انقلاب 25 مايو المنحل. وأحدهم ولي دم. ولا أعرف إن كان جهل هؤلاء الضباط بالقتلة حقاً أم غير ذلك بالنظر إلى انني لم أقع بعد على ذكر لجنة تكونت للتحقق عن قتلة بيت الضيافة. ولم يسمع الفاتح نفسه بهذه اللجنة (أنجزت ما وعدت أو لم تنجز) بعد سؤالي له عنها. ولو ثبت أن النظام لم يعين لجنة للتحقيق في المذبحة لكان هذا من ثالثة الأثافي. وهو أن النظام المايوي علم عن القتلة ما لم يرض لنفسه أن يذيعه. وهذا تجهيل عمد. كتب لي الفاتح يقول: «شكراً لاتصالك فيَّ بعد رسالتي لكم. إننا لنثمن جهودك الكريمة لجهة مساعدتنا جميعاً للحصول على حقائق مذبحة بيت الضيافة من جهة معرفة القتله علماً لا يحدونا فيه القصاص أو الجزاء. إننا لنطمع في الحصول على الوقائع والحقائق لنقف على تاريخ عشنا بدون دقائقه ل(39) عاماً مضت. إننا نتطلع إلى تحقيق رسمي عن مذبحة بيت الضيافة. ونسألك أن تبذل قصارى جهدك نحو هذه الغاية. وستجد منا كل عون ودعم. إن مهمتنا الآن هي الوقوف على حقيقة ما جرى في بيت الضيافة ولا غير ذلك. شكراً مع أطيب الأمنيات. قلت في حديث الأسبوع الماضي أن الذي غلب في تدوين واقعة المذبحة هي روايات الضباط الناجين منها وغيرهم بينما غابت عن السجل روايات الجنود وصف الضباط المعلوم أنهم هم وحدهم تقريباً الذين استردوا نميري للحكم. وقد رأينا أن الصحافة دونت بعض تلك الشهادات في الأيام العاقبة للمذبحة ثم لم يعد إليها أحد. وأصبحنا نعيد شهادة الضباط ونستعيدها. وانحصرنا بذلك في حقائق جرت في بيت الضيافة وانحجبنا عن مقاصد وطبيعة القوة التي خرجت في عصر 22 يوليو إلى مسرح السياسة بقوة وربما كانت المذبحة من عملها كما يعتقد بعض الناس. متى نظرت في شهادة الجنود والصف في وقتها وجدتهم شديدي الإعتزاز بدورهم في عودة نميري. فروايتهم لملحمة عودة نميري لا تتسع لضابط فحسب بل تجدهم كرهوا ما رأوه من إدعاء بعض الضباط لعب أدواراً في تثبيت نميري من نسج خيالهم. فقد تحدث العريف ابو القاسم تيجاني كناطق رسمي لحركة الجنود والضباط التي نشتبه أنها القوة الثالثة التي وطنت نفسها على القضاء على نميري ومن انقلبوا عليه عصفورين بحجر واحد ثم استلام زمام الحكم. ولكن نميري شقي وعمره بقي. فأضطرت القوة الثالثة أن تجير نصرها لصالحه والذي في القلب في القلب. فأنظر لهجة أبو القاسم تجدها واثقة احتفالية تنسب الفضل له ولزملائه في الصف والجنود لا غير. فقد تحدث للصحافة:»نيابة عن تنظيم حركة التحرير» مؤكداً «بأنه لا يوجد أي ضابط بهذه الحركة إذ أنهم فروا هاربين تحت طلقات مدافعنا. واقول للضابط الذي تكلم من إذاعة أم درمان مدعياً أنه عمل (هل عمل وعمل كناية عن الإدعاء فالنص غير واضح) أنه كان معتقلاً بالبيت (الضيافة؟ غير واضح) نسبة (لعدم وجود، من عندي النص غير واضح) من يحرسه أطلقنا سراحه. ولم نر سوى الملازم فتحي محمد عبد الغفور «الذي أيد حركة التحرير من البداية وركب دبابته وأدى دوره كاملاً». وهنأ ابو القاسم جند المظلات وشكرهم لنجدتهم وتعزيزهم الموقف وعلى رأسهم العريف يوسف عبد الباقي. وهنأ كذلك رجال كتيبة المشاة الذين أيدوهم في أحلك اللحظات وساندوهم. وشكر الجمهور على تعاطفه معهم وكذلك الحرس القومي وكتائب مايو وبوليس القسم الجنوبي الذين ساعدهم في إلقاء القبض على هاشم العطا «ولم يناموا حتى الآن». وشكر جريدة (الصحافة). ووجه الحديث لجماهيرهم بأنهم بخير ما دام التلاحم العسكري الشعبي قائماً. كان هذا حديث عريف بعد نحو (8) أيام من عودة نميري إلى الحكم (الصحافة 30 يوليو 1971). فإلى أي طموح انتسب؟ نواصل شهادة تنظيم الصف والجنود التي جاءت بها جريدة (الصحافة) ثم نعلق على حركتهم من جهة نظرية القوة الثالثة في يوم 22 يوليو التراجيدي.