ينعقد اليوم الخميس أول أكتوبر المؤتمر الثالث للمؤتمر الوطني بحضور ستة آلاف عضواً يمثلون سته ملايين عضو شاركوا في المؤتمرات القاعدية علي مستوى السودان ولعل الإشارة لهذا العدد هو ما يؤكد إصرار المؤتمر الوطني على قيام الإنتخابات في موعدها ولايخفى ذلك علي القوى السياسية الأخرى خاصة حزب المؤتمر الشعبي الذي يدرك كثيراً من اسرار هذا التنظيم كما يدركون عدم تأثير الإنشقاق على الجماهير مما يدعوهم للبحث عن وسائل لتأجيل الإنتخابات بدعوى عدم نزاهتها وربما تأسيساً علي التجربة الشخصية للدكتور حسن الترابي عندما كان مسئولاً عن الجبهة القومية الإسلامية أميناً عاماً لها دون مراعاة لمياه كثيرة جرت تحت جسور الحياة السياسية في البلاد. على صعيد أخر ينعقد مؤتمر لقوى سياسية اخري في جوبا حاضرة الجنوب وإنعقاد مؤتمر للمعارضة السودانية ليس بدعة ولا أحد يستطيع منع قيامه بل ان مؤتمرات المعارضة إنعقدت خارج السودان في كثير من دول الاقليم خاصة اسمرا حيث إنعقد مؤتمر القضايا المصيرية في يونيو 1995م وشاركت فيه هذه المجموعة بإستثناء حزب المؤتمر الشعبي بينما غاب عن مؤتمر جوبا أحد اعمدة مؤتمر أسمرا وأهم عناصره الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل . كما ذكرت ليس من البدعة قيام هذا النوع من المؤتمرات للأحزاب المعارضة بل ومن الإيجابيات أن ينعقد في السودان ولعل إختلاف الظروف والغايات لم يكن في حسبان المؤتمرين حيث تختلف الغايات اليوم وإن كانت المؤتمرات السابقة تهدف لإسقاط النظام بالوسائل المتعددة وكانت الحركة الشعبية أكثرها حرصاً ، إلا ان أهدافها قد تغيرت فليس من مصلحتها إسقاط نظام تعتبر الحركة مكوناً رئسياً له بينما يهدف الآخرون لإسقاط النظام مما يجعل التناقض واضحاً في الأجندة. إذن كان لابد من الإتفاق حول عدم المساس بمصالحها المتعارضة مع الآخرين. من ناحية أخرى كان الأجدى للاخوة في حزب الأمة (المهدي إخوان) تقريب وجهات النظر بدلاً من نقل صراعاتهما حتى على رئاسة المؤتمر ناهيك عن تصارع الآراء في المواقف الجدية حيث كان مبارك المهدي جزءاً من هذا النظام إلى عهد قريب وبقيت عناصره حتى الآن. الإمام المهدي كان يتطلع لإجماع هذه القوى عليه رئيساً للمؤتمر توطئة وتمهيداً لرئاسة قادمة في إنتخابات رئاسة الجمهورية ويتردد بأن هذا الرغبة مدعومة من قبل قيادات بارزة في الحركة الشعبية في اتجاه تشكيل تحالف في مواجهة مرشح المؤتمر الوطني ولم يفت الامر على صهره الدكتور الترابي لذا سارع بالمطالبة بمقاطعة الإنتخابات ليقطع بذلك الطريق على الامام وحتى لا يستفيد من تجربته في دائرة الصحافة في إنتخابات العام 1986م. الحزب الشيوعي كان حاضراً بأجندته المعروفة ورغم الحديث الطيب لزعيمهم محمد إبراهيم نقد وتركيزه على أهمية الوحدة إلا ان المشروع الحقيقي بمحاسبة الإنقاذ الذي تحمل مسؤوليته الترابي وعدم التفريق بينه والمؤتمر الوطني جعل من المستحيل الوصول إلى إتفاق يحقق المصلحة ولعل الإستاذ فاروق أبوعيسى كان أكثر وضوحاً في تناول هذا الموضوع ولم يجد من يذكره بان الحال ينسحب عليه ومحاسبته بإعتباره جزءاً من النظام المايوي الذي يتحمل كثيراً مما يعانيه الشعب السوداني مما دعا الفريق عبدالرحمن سعيد للقول بأنه لا يمثل التجمع الوطني الديمقراطي في هذه المؤتمر وهو قول يُرد على قائله بأن التجمع قد ولى زمانه وانتهت مهامه بمجرد مشاركته في حكومة الوحدة الوطنية وليت سعادة الفريق يعرف مادار في لقاء رئيس التجمع بأمينه العام قبل أقل من أسبوعين أعلن خلاله الأمين العام موقف حزبه من التجمع . غياب المؤتمر الموطني عن هذا اللقاء أمر طبيعي يشاركه الرأي الحزب الإتحادي الديمقراطي الذي قرأ الساحة بمسئولية وطنية وأعتبر المشاركة أمراُ غير ذي بال ولا يضيف إلى الساحة السياسية سوى مزيد من التعقيدات وينهي تجربة التجمع الوطني بقيام تنظيم بديل دون أن يؤثر ذلك على علاقته بالحركة ولا يعنيه كثيراً القوى السياسية الأخرى ولمزيد من صب الزيت على النار يقبل المؤتمرون بمذكرة الأستاذ علي محمود حسنين الذي ترك الساحة في السودان ويعيش بعيداً عن الأحداث ويغرد خارج السرب بطريقة لا تشبه تاريخه السياسي مما دعا أحد الأخوة بوصفه أنه (خارج الشبكة). رصاصة الرحمة على مؤتمر جوبا اطلقتها مجموعة الاحزاب الجنوبية التى انسحبت من المؤتمر بدعوى عدم وضوح اجندة هذا المؤتمر ومناقشته لاجندة غير متفق عليها وهو ما ذهب اليه المؤتمر الوطني بالقول ان ترتيبات انعقاد هذا المؤتمر ينقصها الاتفاق على اجندة واضحة وان فيه مساساً بنيفاشا ، وهو ما كرره قادة الاحزاب المنسحبة بقولهم إنهم توصّلوا لإجماع بأن هدف جميع هذه الأحزاب تدمير اتفاق السلام الشامل. هذا بالطبع دون ان تفوتنا الانتقائية الواضحة التى مارستها اللجنة التحضيرية للمؤتمر حيث وجهت الدعوة لعدد (20) حزباً فقط من أصل (79) حزباً هي جملة الاحزاب المسجلة والطريقة الفطيرة في التحضير له والتى دفعت بالاخ حاتم السر للقول بأن الحزب الاتحادي (كانت لديه تحفظات على الطريقة المتبعة فى اعمال التحضير للمؤتمر) . وربما هذا ما دفع بالدكتور لام أكول لوصف مؤتمر جوبا بأنه (مؤتمر بلا موضوع) ووصفه دكتور كمال عبيد بأنه (بمثابة حوار الطرشان بين المشاركين فيه، لجهة أنهم يتحدثون عن الشئ ونقيضه، هم يتحدثون عن التحول الديمقراطي وفي ذات الوقت ينادون بمقاطعة الإنتخابات). وعلى صعيد آخر يراه البعض بأنه عبارة عن رحلة سياحة للأحزاب المشاركة ويراه البعض الآخر باعتباره بلبلة سياسية فاشلة أو محاولة من الحركة الشعبية لاثارة ذعر المؤتمر الوطني لكن من المؤكد بأن هذا المؤتمر لن يخرج بشيء مفيد للحركة السياسية السودانية بل على العكس ربما يسهم في زيادة الاحتقان والغيرة والصراع السياسي ومن يتصور ان هذا المؤتمر يمكن ان يفضي الى قيام تحالفات بين الحركة والاحزاب المشاركة او بين الاحزاب فيما بينها يبنى هذا التصور على اوهام ستتكشف في القريب العاجل