ملاحظة ذكية أبداها لي الأستاذ ضياء الدين بلال وهو يعلق على أداء الفنان السوري جمال سليمان، في مسلسله الأخير (أفراح ابليس)، الذي قام فيه بدور همام أبو رسلان، وتكمن الملاحظة في أن جمال يستطيع أن يقوم بالتمثيل بملامح وجهه فقط في كثير من المشاهد، وهي ملكة تمتع بها دون الكثير من الممثلين المعاصرين، وبالفعل كانت ملامحه تقول الكثير دون أن يكون مضطراً لقول كلمة واحدة، فعيناه وحاجباه وفمه تغنيه على أن ينبس ببنت شفة، وهذا ما يعرف عند أهل الدراما ب(لغة الجسد)، وان كان المصطلح يعني استخدام كل اطراف الجسد في ايصال الحديث المراد قوله، آو المساعدة على ذلك، فان جمال سليمان وبوجهه فقط استطاع أن يحشد كل التعابير الممكنة والمتاح التعبير عنها.. ------------------------------------------------------------------------------- نجاح مذهل نجاح كبير حققه جمال سليمان قبل عامين من خلال مشاركته في مسلسل (حدائق الشيطان)، حين قام حينها بدور مندور أبو الدهب، ووجد المسلسل صدى طيباً لدى الجمهور العربي، وبالاضافة إلى قوة قصة المسلسل، كان من المدهش -حينها- استقدام ممثل سوري للقيام ببطولة مسلسل مصري، خاصة إذا أخذنا في اعتبارنا آن الدور كان لصعيدي، وتبقى (للصعايدة) لهجتهم المغايرة حتى لأبناء جلدتهم المصريين، ويستعصي على الكثيرين منهم اجادتها، لكن جاء جمال وعكف شهوراً عديدة يعايش الحياة في صعيد مصر حتى إستطاع أن يجيد لهجتهم، وإستطاع أن يكون مقنعاً للحد البعيد، ووضع بصمته الأولى هناك على الدراما المصرية. حرب وحسد..! لكن هذا النجاح الذي حققه جمال وقف له عدد من النقاد المصريين بالمرصاد، وجاء نقيب الفنانين المصريين أشرف زكي ليسكب الزيت على النار، حيث أصدر حينها قراراً بمنع الفنانين العرب من المشاركة في أكثر من عمل واحد في مصر خلال العام، وشمل هذا القرار الممثلين الذين يشاركون في السينما المصرية، وحينها وصف جمال سليمان القرار بأنه (غبي ومحدود)، وقال إن هذه القرارات ستؤثر وبشكل سلبي على الفن العربي، وأضاف جمال: أنا شخصياً أعيش في بلدي ولدي عمل كثير، لكن اذا اتت الفرصة الجيدة أينما كانت فاني ساقدمها سواء في مصر أو في أي بلد آخر، وألمح خلال تصريحاته إلى أن على الجمهور أن يختار نجومه الذين يريدهم، وليس على النقابة فرض ممثلين لا يحبذونهم.. من هو جمال؟ تقول سيرته الذاتية أنه من مواليد دمشق في الثالث من سبتمبر للعام 9591م، وانتسب إلى نقابة الفنانين السوريين في العام 1891م، وزوجته رنا سلمان، ورزق بابنه الأول قبيل رمضان الماضي وتحديداً أثناء تصويره لمسلسله (افراح ابليس)، وهو حاصل على الماجستير في الدراسات المسرحية من جامعة ليدز، وحاصل على شهادة التقدير من لجنة التحكيم في مهرجان دمشق السينمائي، وفي العام 5991م منحه وزير الإعلام جائزة تقديراً لأعماله الفنية، وكرمه مؤتمر برلمان الطفل في عمان برعاية الملكة نور، ومن أبرز أعماله التلفزيونية مسلسلات التغريبة الفلسطينية، والخيط الأبيض، وصقر قريش، وحدائق الشيطان، وأهل الراية، وأخيراً أفراح ابليس، وله عدة مسرحيات مثل قصة موت معلن، ومنمنمات تاريخية، وخادم سيدين، وفي السينما عائد إلى حيفا، والمتبقي، والترحال، وشارك في فيلم حليم مع الراحل أحمد زكي. تباين واضح على الرغم من اشتراك (همام أبو رسلان) و(مندور أبو الدهب) في الشر، إلا أن تركيبتهما النفسية مختلفة للغاية، وكذلك اسلوبهما في الحياة، وهذا جعل المسلسلين مختلفان في الشكل والمضمون، وكانت هنا المفاجأة التي أحدثها جمال سليمان، حيث ظن الكثيرون أن أفراح ابليس امتداداً لمسلسل حدائق الشيطان، وذلك لأن الجمهور الذي عشق جمال من خلال تجسيده لشخصية الصعيدي تخيل أنه سيشاهده في امتداد لما قدمه سابقاً، لكن بمجرد توالي أحداث المسلسل بدأت عين وذاكرة المشاهد تبتعد تماماً عن شخصية مندور، وبدأت شخصية همام وأحداث المسلسل تشدان انتباه الجمهور يوماً بعد يوم، وكل ذلك يعود إلى امكانات مهولة تمتع بها جمال أهلته لجذب المشاهد لأكثر من ثلاثين حلقة كاملة. اخلاص وحرص ونرى أن نجاح جمال يعود لأنه يسعى دوماً أن يكون مخلصاً في عمله، ودوماً عندما تتاح أمامه عروض مختلفة يدرسها ويقيمها، وهو يقول: اختار ما هو قريب إلى قلبي وأشعر بأنني أجد نفسي فيه. ووضح اخلاص جمال في عمله من خلال ما حدث خلال تصويره لمسلسله الأخير، فبرغم تحذيرات الأطباء له بضرورة عدم بذل أي مجهودات في هذا الوقت لخطورة ذلك على حالته الصحية، حيث أصيب بنزلة برد حادة ونصحه الأطباء بضرورة المكوث في منزله لمدة أسبوع على الأقل، حتى لا ينعكس سلباً على حالته الصحية، إلا أن جمال رفض الاستجابة لهذه التعليمات وأصر على مواصلة العمل في المسلسل، وهذا ينبئ لأي مدى التزام جمال بفنه، وهذا ما أهله لتبؤ هذا المركز المتقدم في المجال الفني. إذاًً.. يبقى جمال سليمان علامة فارقة في فن التمثيل، وتمتع بنجومية كبيرة في وقت تعج فيه الساحة العربية بكبار النجوم المصريين، واستطاع أن يدخل عرينهم ويحتل مكانه بجدارة واستحقاق، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الفن لغة عالمية، وهذا ما جعل مسلسله (أفراح ابليس) من أفضل مسلسلات رمضان لهذا العام.. والآن بدأت الأخبار تنقل أن عدداً من شركات الانتاج الفني، بدأت بالفعل مفاوضاتها مع جمال من أجل تقديم مسلسلات للعام القادم، وهذا نجاح كبير ينم عن المكانة الكبيرة التي وصل إليها جمال سليمان.