يصعب إرسال سفير لدولة كبرى، كمصر الشقيقة، وما يربطها من علاقات ووشائج ومصالح وإرث ومصير مشترك بالسودان بمعايير الأقدمية والكفاءة المكتبية، إنها عاصمة من طراز خاص تحتاج الى نموذج متحفز ومبادر ومقتدر مستوعب لحجم ما هو مطلوب وقادر على الإضطلاع بالمهام الكبيرة، وآخر نموذج هو الوطني والأكاديمي والمفكر السفير الراحل أحمد عبدالحليم الذي صبر وثابر الى أن انتقلت العلاقات الأخوية الى المسار الطبيعي المطلوب لها وتلاحقت جهوده ومتابعاته الى تقارب حميم ومصالح ومواثيق صاغت الحريات الاربع في التواصل والتعامل، والإقامة والعمل والسكن والمصالح المشتركة وظل يدفع بها في فكر مشروع جيله الداعي الى تكامل وادي النيل أو وحدة شطري وادي النيل، وقد استمع للرئيس عمر البشير معبراً عن تطلعه لعلاقات ثنائية سقفها تحقيق وحدة وادي النيل. لقد ظل السودان دائماً يختار بكثير من العناية سفراء أكفاء مقتدرين، نافذين مؤثرين استطاعوا الإضطلاع بالمهام المشتركة بكفاءة واقتدار وإقامة علاقات واسعة ومؤثرة مع القطاعات والقيادات كافة، وفي مقدمتهم الرئيسان جمال عبدالناصر وأنور السادات، وقد نجح في ذلك السفير الأستاذ أحمد عبدالحليم مع الرئيس حسني مبارك، الذي كان يناديه بالعم أحمد، وكان السفير احمد فخوراً بذلك، ولا أرغب في ذكر اسماء أو عقد مقارنة حتى لا يتحسس من اكتفوا بالمنصب والمكتب ومطالعة الملفات ثم عادوا الى مقر رئاسة الوزارة بالخرطوم، وبعدها توارت أسماؤهم مثلما توارت ملامحهم عن الذاكرة، وأفضل الحديث عن سفير السودان الجديد الفريق عبدالرحمن سر الختم الذي اختاره الرئيس عمر البشير، وهو اختيار موفق، لشخصية تمتلك قدرات متميزة فهو ينتمي إلى المؤسسة العسكرية العريقة ووصل الى أرفع مواقعها ثم اضطلع بمهام رئيس حكومة أهم ولاية بعد ولاية الخرطوم وهي ولاية الجزيرة أو الإقليم الأوسط سابقاً، لقد التقيته قبل اكثر من عشر سنوات في القيادة العامة، كناطق رسمي باسم القوات المسلحة السودانية، ونقل لي آنذاك في حوار لجريدة «الشرق الأوسط الدولية» أن الوطن السودان يحتاج الى وحدة وطنية والى انتماء وطني ووفاق شامل راسخ مثل النموذج القائم والماثل والثابت في القوات المسلحة، فالقوات المسلحة بوتقة تجمع كل أبناء مناطق السودان ولا يتميز أحد عن أحد إلا بالكفاءة والتضحية والإنتماء للوطن، وقد رافقت أثناء وجودي في القاهرة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني في زيارة للسفير الفريق عبدالرحمن سر الختم بمقره بقاردن ستي، وقد فعلها مولانا الميرغني لأن السفير الحصيف حرص قبل مغادرته الخرطوم للقاهرة لتولي مهامه، على زيارة مولانا الميرغني بدار «أبوجلابية» بشمبات لتحيته ووداعه. وتناول الحديث أهمية وحيوية العلاقات الأخوية السودانية المصرية، وركز مولانا الميرغني على أن مصر معنية تماماً بما يجري في السودان، لأن المصير واحد، وعقبت أن مصر لعبت دوراً مهماً في ضم الجنوب للشمال بموجب اتفاقية الحكم الذاتي التي وقعت بالقاهرة في «12 فبراير 1953م»، لأن الحكومة البريطانية كانت تعتزم توزيع الجنوب على دول الجوار: «أثيوبيا ويوغندا وكينيا»، وجاء حديث السفير عبدالرحمن سر الختم يظهر معرفته لخلفية الأحداث التي واجهت شطري وادي النيل وفي مقدمتها أحداث التمرد الدموي في الاستوائية في أغسطس 1955م. أتوقع للسفير السوداني المقتدر في القاهرة النجاح الذي يدفع لمزيد من التقارب والازدهار في علاقات شطري وادي النيل، لأن القدر والمصير والتاريخ الواحد يحتم التكامل والوحدة معاً.