كيف يحكم السودان ؟ سؤال استعصت الإجابة عليه ردحاً من الزمان ، ويحاول البعض جاهداً رسم خارطة طريق لوضع هيكلة لحكم بلد يتميز بالتنوع والتعدد في كل شيء ، البعض ينادي بتقسيم السودان لأقاليم كما كانت في السابق ، والآخر يرى الحكم المركزي هو الأنسب والأنفع للسودان ، وبين هذه الجدلية يمضى الوقت متسارعاً ويتأزم الوضع شيئاً فشيئاً ... وللإجابة على هذا السؤال نظم حزب تجمع الوسط بداره بشارع البلدية ندوة استهل بها ندواته نصف الشهرية جاءت تحت عنوان : (خيارات الحكم اللامركزي في السودان) أدار الندوة الأستاذ عادل إبراهيم حمد وتحدث فيها د. محمد أحمد سالم والبروفيسور أحمد إبراهيم أبوسن وحضرها جمعٌ من المثقفين والمهتمين والإعلاميين . أيهما أكثر مواءمة لحكم السودان ، الحكم المركزي أم اللامركزي ؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل يجب استصحاب تعدد الثقافات والإثنيات والأعراف والديانات والأبعاد التاريخية والديموغرافية السودانية، د. محمد أحمد سالم القانوني والخبير في مجال الحكم والإدارة هكذا يرى أن هنالك إجماعاً نادراً من كل القوى السياسية الحالية بأن السودان لا يمكن أن يحكم من مركز واحد ، وأن القضية التي لا خلاف حولها بين الأحزاب والكيانات أن السودان لا يصلح إلا بالحكم اللامركزي ، يعضد سالم ماذهب إليه بأن الحكم اللامركزي من شأنه أن يقلل الظل الإداري ويوفر الخدمات والموارد البشرية والمادية للاستفادة منها في دفع عجلة التنمية ، إضافة لتوسيع دائرة المشاركة بالسماح للآخرين بالمشاركة عبر إدارة الشؤون الإدارية والحكم ودولاب العمل . كما يوفر الحكم اللامركزي استيعاب التنوع الموجود بالسودان فلا يمكن لبلد مثله أن يحكم بفكرة واحدة ، ولدعم فكرة الحكم اللامركزي استشهد سالم بما حدث للولايات المتحدةالأمريكية ، حيث بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعدد (13) ولاية تمردت على الإنجليز وكونت اتحاداً وأصبح يحقق نجاحاً تلو نجاح ، واليوم الولاياتالمتحدة تضم أكثر من (50) ولاية ، وبفضل الاتحاد أصبحت القوة العظمى في العالم اقتصادياً وأمنياً بالرغم من أنها تتميز بتعدد إثني ولوني وديني ولكنهم استطاعوا أن يَعبروا مسرعين هذه المحطات التي للأسف ما زلنا نقف عندها ! ويعتبر سالم أن الإنقاذ عندما ولجت للسلطة وجدت السودان يُدار إقليمياً فعقدت مؤتمراً حولت بموجبه نظام الحكم الإقليمي إلى الحكم الاتحادي وتقسيم السلطة وذلك حسب المرسوم الرابع ويرى سالم أن الإنقاذ عدَّلت نظام الحكم لحل مشكلة الجنوب والتي لم تحل إلا بالإنفصال 2011م . زيادة عدد الولايات كانت إحدى بنات أفكار د. علي الحاج الذي كان يؤمن بأن زيادة عدد الولايات سيكون دافعاً للعمل والنشاط لاستخراج مكنونات وخيرات الولايات مما يؤدى للتنافس والاستفادة من الموارد المتاحة لكل ولاية وبالتالي يزدهر التنافس الحميد ويصل الخَراج للخزانة العامة ، ولكن سالم يرى أن التجربة العملية أثبتت فشل رؤية د. علي الحاج ، فالناظر اليوم لحال الولايات يرى بوضوح لا تشوبه شائبة أن الولايات أخذت في تكوينها الطابع القبلي والجهوي والسياسي بجلاء واضح لكل ذي عينين ، بل حتى المحليات لم يُراع في إنشائها أي معيار وأصبحت تشكل عبئا على المركز ، وتساءل سالم ، هل هناك ما يمنع من دمج الولاية الشمالية مع ولاية نهر النيل لتصبح ولاية واحدة ؟ ، هذا التساؤل البريء فتح شهية الحديث عن موضوع جوهري، هل من معيار محدد بموجبه يتم انشاء ولاية جديدة أو محلية أو معتمدية ؟ وأجمع المتحدثون على أن هناك معايير لا بد من استصحابها تتمثل في : المساحة الجغرافية والتعداد السكاني والتاريخ والموارد ، هذه المعايير ربما تكون فضفاضة نوعاً ما حيث لم يحدد المتحدثون عدداً محدداً للسكان ولا مساحة جغرافية معينة لإنشاء ولاية أو محلية ، بل طالبوا بضرورة وضع حد ومعالجات لعدد الولايات والمحليات الحالية والتي أصبحت في متوالية هندسية متتالية وأصبحت أي قبيلة أو مجموعة تطالب بقيام ولاية فالنهود والفولة والمناقل وغيرها الكثير ليست ببعيدة ... ويعتقد سالم أن كل الولايات مؤخراً أصبحت مهدداً وعبئا على المركز ولم تتمكن من تحمل نفقاتها وأصبح الولاة فيها - عدا ولاية الخرطوم والجزيرة والقضارف - كأنهم موظفون يأتون ليأخذوا أموالهم من المركز بدل أن يمدوا المركز بالموارد المالية والبشرية . ويتفق بروفيسور أحمد إبراهيم أبوسن عضو مجلس الولايات مع سالم في أن قضية الحكم في السودان لا تحتاج لنقاشات وأوقات? فالواقع قد حسمها إذ لا يصلح حكم السودان عبر المركزية ، واقتصر البروفيسور دور المركز على الوزارات السيادية (الدفاع ، الداخلية ، الخارجية ، البنك المركزي) وما عداها يكون مكفولاً بصلاحيات مفتوحة للولايات والأقاليم حتى تتمكن من تقديم خدمات ترضي مواطن الولاية ، وحتى في حالات النزاع والخلاف فكل ولاية أدرى وأجدر بحلول مشاكلها الداخلية ، وأضاف أبوسن بأنه لا يمكن لدولة تؤمن باللامركزية أن يكون بها أكثر من (40) وزيراً خلاف وزراء الدولة ، و(30%) من الموارد تذهب للولايات بينما يسيطر المركز على (70%) منها وتتصرف فيها وزارة المالية ، والعكس هو الصحيح ، وأعضاء مجلس الولايات أصبحوا (حجَّازين) - حسب قول أبو سن - نسبة للخلافات والتضاربات العديدة التي تنشأ بين الوزارات الاتحادية والوزارات الولائية خاصة في مجال الأراضي والاستثمار والجبايات ، ولم يتفق أبوسن مع سالم بضرورة تقليص عدد الولايات ، لكنه عاد وانتقد طريقة توزيع الموارد المالية بها . وخرجت الندوة بضرورة تفعيل وتطبيق مبدأ الحكم اللامركزي بالسودان لما يتمتع به من تنوع في الثقافات والإثنيات والأعراق والأيدلوجيات ، إضافة لتقليص عدد الولايات والمحليات الحالية والإكتفاء بتسعة أقاليم فقط كما كانت قبل (1989م) ، والأخيرة هي رؤية حزب تجمع الوسط ، إضافة لإعطاء صلاحيات لمجلس الولايات تخول له عزل الوالي بعد مشاورة رئيس الجمهورية .