تحمل الصحف بين فترة وأخرى أخباراً عن توقيع إحدى الولايات اتفاقاً مع دولة كبرى لتنفيذ مشاريع قد تكون ضخمة أو مُضخَّمة وما أن يبدأ المشروع إلا وتحدث العقبات والمتاريس بين الولاية المعنية والمركز، فالمركز يعتبر أن أي مشروع ينبغي أن يمر عبره أولاً، والولايات تدافع بالفيدرالية التي منحها لها الدستور.. وبينهما تجري أنهارٌ من العبارات وربما الدماء.. الشمالية والكفرة الليبية في مطلع هذا العام وقعت حكومة الولاية الشمالية والمجلس الأعلى لمدينة الكفرة الليبية على وثيقة اتفاق في المجالات التجارية والاستثمارية والتفاهم حول إنشاء طريق بري يربط الولاية بالكفرة ، بجانب مناقشة طلب الجانب الليبي الخاص بافتتاح قنصلية ليبية فى دنقلا، وأشاد رئيس المجلس المحلي لمدينة الكفرة الليبية بدور السودان وتعاونه مع الثورة الليبية. الخرطوم والشمالية ربما تكون هذه طبيعية وداخلية فكل الولايات تسعى وتعمل لأن تبلغ ما وصلت إليه ولاية الخرطوم من تقنيات وتطور غُيِّب عن بعض الولايات ، حيث وقع الوالي السابق فتحي خليل رحمه الله اتفاقيةً مع ولاية الخرطوم لخلق توأمة لإنشاء عدد من المشروعات الإنتاجية والاستثمارية المشتركة والتي تتزامن مع الطريق البري الدولي الذي يربط البلاد بجمهورية مصر. وتهدف التوأمة لإنشاء مدن محورية عند حدود الولايتين ترتبط بمشاريع إنتاجية وصناعية من شأنها أن تخلق فرص عمل جديدة وتكون جاذبة للسكان من الولايتين. نهر النيل والشمالية وقّعت حكومتا ولايتي نهر النيل والشمالية بمدينة الدامر على اتفاقية توأمة بين الولايتين تهدف للتعاون المشترك في عدد من المجالات الحيوية والاستراتيجية، لا سيما الاقتصادية، بجانب تنظيم النشاط التعديني الأهلي المتداخل والتقليل من آثاره السالبة. الشمالية ومصر وفي أواخر العام الماضي وقعت الولاية الشمالية ود. سيد البدوي رئيس حزب الوفد المصري باعتباره مستثمراً مصرياً على إقامة مشروع زراعي مشترك في محلية الدبة بالولاية الشمالية بمساحة (100) ألف فدان كأكبر مساحة استثمارية تُمنح لاستثمار خارجي بالولاية. وستستغل في زراعة القمح والمحاصيل الأخرى وتجئ ضمن الخارطة الاستثمارية التي وضعتها الولاية لاستغلال الأراضي الشاسعة من أجل مصلحة الولاية والسودان. الخرطوم وانجمينا وقعت بفندق السلام روتانا، اتفاقية استخدام ميناء بورتسودان واتفاقية نقل الركاب بين الحكومتين السودانية والتشادية عبر الميناء.. أسئلة حائرة، السؤال الذي يبرز هل يعلم المركز بهذه التعاقدات أم تنفرد بها الولايات ، وهل هي من صلاحيات الولايات ؟ وليس بمستغربٍ ، فكرم الله عباس عندما كان والياً للقضارف ركب السماء وقطع آلاف الكيلو مترات للوصول إلى قارة استراليا، في زيارة وصفت بأنها ذات طبيعة عملية لبحث آفاق تطوير المجال الزراعي آنذاك ، وبعد عودته لولايته طفحت ثمة تصريحات صدرت من هناك نُسبت للرجل طالب فيها بتطبيع العلاقة مع إسرائيل ! وفصل ولاية القضارف لتكون إقليماً ، وبعدها بأيام تمت الإطاحة بكرم الله وحكومته.. صراع المركز صراع المركز والولايات صراع متجدد ومستمر منذ عشرات السنين، فمعظم الولايات لا تملك غير الأراضي الزراعية أو الاستثمارية ، وكلاهما يمران بمنعطفات ونزاعات عنيفة ، ولم يستطع الدستور الحالي تحديد من يؤول له التصرف في الأرض ؟ الولاية أم المحلية، أم المركز، أم الوزارة الاتحادية؟ بجانب تضارب قرارات المركز والولايات ، وسمح الدستور للولايات بسن تشريعات وقوانين تتناسب وطبيعة الولاية ، وشكا عدد من الوزراء من سياسات الولايات الداخلية . فهذا محمد عبد الكريم الهد وزير السياحة والآثار والحياة البرية يشتكي من فرض الولايات رسوماً على السياح مما عدها طاردة ومنفرة للسائح ، وطالب حكومة سنار بعدم أخذ (مليم) من السياح نظير دخولهم حظيرة الدندر ، ووصف عملهم بأنه مخالف للدستور وقانون الوزارة. إلى ذلك، شكا د. مصطفى عثمان إسماعيل وزير الاستثمار من فرض بعض الولايات رسوماً على بعض المشاريع الاستثمارية باهظة ، قال إنها تعيق الاستثمار وتطرد المستثمرين وتخلق بيئة غير جاذبة للمستثمرين المحليين أو الأجانب ، وقال ان مصانع الأسمنت بعطبرة كادت تتوقف عن العمل الأسبوع الماضي لجهة فرض الولاية رسما جديدا بقيمة (25) جنيهاً تؤخذ من كل طن أسمنت، وفي المقابل كشفت وزارة الاستثمار عن طرح جميع مصانع وشركات السكر للخصخصة ، وبالرغم من أن مصانع السكر تتوزع على عدد من الولايات إلا أن الوزارة الاتحادية تضعها جميعاً تحت سيطرتها وتصرفها وتوجهها يمنة ويسرة ، بجانب د. غلام الدين عثمان، الأمين العام لصندوق الإسكان والتعمير الذي ظل يشكو في كل منبر من خلل وعدم استجابة لنداءات الصندوق ، بل قال ان هناك عددا من الولايات لم تنشئ صناديق أصلاً ، والأخرى مهملة ومهجورة . وبالرغم من اختلاف الناس حول طبيعة حكم السودان ، يكاد يجمع عدد من الخبراء حول فشل الفيدرالية التي تدار بها دفة العمل حالياً بالولايات ، فيما يعتبرها البعض فيدرالية منقوصة أو منزوعة الصلاحيات ، ويرون أنّ الحل في إعادة نظام الحكم كما كان قبل العام 1980م وإلغاء نظام الولايات وتقسيم السودان لخمسة أقاليم بسلطات واسعة على أن تكون الوزارات السيادية شاملة لكل الأقاليم كما في دولة اثيوبيا الشقيقة.