حذر د.نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية وهو ينقل لمجلس تشريعي الخرطوم أمس الاول من خطة الجبهة الثورية والمعارضة لإسقاط النظام، معتبراً ان المعركة العسكرية والسياسية هي معركة حاسمة، وكشف عن تفاصيل خطتهم لدخول الخرطوم عبر محورين لإسقاط النظام واحتلال مدينتين من أصل ثلاث كادوقلي والأبيض والفاشر، وإن الجبهة الثورية تسعى لتنفيذ ما يسمى مشروع السودان الجديد وتحريره من التوجه والعقيدة التي لا يؤمنون بها. وأقرَّ نافع في ذات الأثناء بالضرر الذي أصاب البلاد من إغلاق خطوط النفط، لكنه استدرك قائلاً: »نعم سبب لنا ضرراً ولكن إذا كانت أمواله تذهب إلى شراء العربات والأسلحة للحلو سندفع أكثر من عائدات البترول لتغذية الحرب«، وقال إن حكومة الجنوب تريد أن يستمر تصدير البترول وتفتح الحدود لتغذيتهم وتغذية التمرد. وساق نافع بعض الشواهد على أن التحالف العسكري »الجبهة الثورية« أرادها أن تكون معركة فاصلة وأكد على ذلك اجتماعهم لأول مرة في ميدان واحد في كردفان بقيادة عبد العزيز الحلو ومعه كل فصائل التمرد من حركة العدل والمساواة وعبد الواحد وخليل ومناوي باعتبارهم جيشاً واحداً ويقاتلون في محور واحد، وخطتهم المعلومة هي إسقاط النظام، وقال إن القضية هي إسقاط النظام باقتلاعه من مركزه في الخرطوم، ولفت إلى أن الخطة الأولى كانت التحرك بمحورين إلى الخرطوم، الأول من وادي هور بقوة العدل والمساواة، ومحور من جنوب كردفان، ليلتقيا هنا لتحقيق أحلامهم بإزاحة النظام. وقال نافع: »عندما واجه محور كردفان في أبو كرشولا وأم برمبيطة وجبل الدالي تحدياً حقيقياً تغيرت الخطة لينضم محور وادي هور لمحور كردفان حتى يكون محوراً واحداً«، لافتاً إلى أن محور وادي هور عندما وصل الجبال فقد ثلثين من آلياته ليس بالطيران فحسب وإنما بمعارك القطع التي تعرض لها، وقال إنهم استخدموا اعتداءهم على أبو كرشولا وقدموه دليلاً للذين يدعمونهم »بريطانيا وأمريكا«، وقالوا لهم الآن نعتبر أن هنالك جسماً يستطيع أن يقوم بمهمة تغيير النظام، ولكن عندما تعثرت الخطة أرسلوا خطاباً إلى عقار في دولة الجنوب وطالبوا بالتحول إلى الخطة »ب«، وقال نافع إن تلك الخطة تقوم على توطين الجبهة الثورية في مدن على خط الخرطوم وشمال كردفان وغيرها، وقال إنهم اختاروا ثلاث مدن لاحتلال اثنتين منها، أولاها كادوقلي وواحدة من مدينتي الأبيض والفاشر، لكنه استبعد الفاشر لعدم وجود قوات ذات بال في جميع دارفور، فضلاً عن عدم وجود قوات حقيقية للتمرد إلا مجموعة صغيرة جداً تتبع لمناوي في منطقة جنوب السكة الحديد، ومجموعة قليلة جداً تابعة لعبد الواحد. وقال نافع: »بالرغم من تقديرات القوات المسلحة بأن هذا ليس مسرح المعركة، لكن لا بد من الوجود في كل المناطق المستهدفة«، وأكد أن المجاهدين الآن في حاجة إلى النفرة والاستنفار. كثيرون اعتبروا حديث د.نافع برغم ما فيه من تحدٍ الا أنه يحمل ضمنياً الاقرار بامكانية دخول الجبهة الثورية للخرطوم ، الامر الذي اثار حفيظة المواطنين. ولخص مراقبون أسباب التصعيد من قبل الجبهة الثورية في مواجهة الخرطوم الرسمية الى ضعف وغياب القوى السياسية عن التعاطي مع الاحداث والوقوف عند حدود الشجب والادانة عبر بيانات المكاتب السياسية دون تشريح وتفسير وتكسير لخط العمليات العسكرية بالرغم من شعاراتها في التغيير السلمي ، ويذهب المحلل السياسي د.مصطفى عبد الله الى أن ثمة قصورا في دور القوى السياسية بعدم فصلها بين الأجندة الوطنية ومصالح البلاد وبين رفضها للحزب الحاكم وأضاف : (التنظيمات السياسية ظلت بعيدة لفترة طويلة من قضايا المواطنين ويقفون في خانة اللون الرمادي التي تبدو ضبابية مما يجري على المشهد ما جعل الحركات المسلحة تلجأ الى خيار العمل العسكري المنظم لفرض واقع جديد يلفت إليها نظر الأحزاب التقليدية المعارضة، ويعزز موقفها ازاء اعتراف النظام بقوتها).. التزام الأحزاب بالحد الأدنى من التفاعل بسبب القبضة الامنية في الغالب بحسب آراء منسوبيها، خلق احساسا عاما لدى الخرطوم بتواطؤ المعارضة مع الجبهة الثورية، وجعل قيادات الحزب الحاكم يكيلون الاتهامات للاحزاب بانها ضمن الطابور الخامس المساهم في انفاذ العمليات، بالاضافة لتقاصر دور منظمات المجتمع المدني التي أخذت بدورها تستنكر الاحداث التي تتعرض لها البلاد ووقفت عند حدود أدوارها المفترضة في الدعم أو الاجتهادات القانونية، ولم تتجاوزه لتعبئة الشارع بالضد من الخط المسلح نفسه في عملية التغيير، أو بالضد من أخطاء النظام نفسه.. بعض المعارضين يرى أن فكرة اسقاط النظام بدت تجد رواجاً في أروقة الشارع العام بسبب انعدام التغييرات الايجابية في حياة المواطنين بعد اربعة وعشرين عاماً من الحكم والوقوف عند حدود تطوير المباني وامتدادات الطرق الجديدة، ما جعل الكثيرين يلزمون الصمت في معرض الحاجة الى بيان كتعبير عن موافقة ضمنية على فكرة التغيير، بينما يرى ناشطون أن فكرة التغيير وأهميته، شوشت على ما عداها من أفكار بحكم اعتماد الجبهة الثورية في تسويق خطها على التعبئة المدنية التي تتكفل بها القوى السياسية وأحزاب المعارضة، بالاضافة الى الخط العسكري والعمل المسلح، وإصدارها لبيانات تدعم هذا الخط.. وطبقاً للناشط السياسي المقرب من دوائر قطاع الشمال محمد سيف الدين فإن ما أسهم في خفوت صوت الشارع ليس رضاءه عن الجبهة الثورية أو استيعابه لخطها وشعاراتها، وأضاف(بل استخفاف الحكومة مراراً وتكراراً وتقليلها من قدرات الجبهة الثورية بعدما مددت دعاياتها بالحديث عن ضعفها، ما أصاب الشارع بالدهشة بعد تصعيد العمليات الاخيرة، وخصوصاً بعد اقرار صقر الانقاذ نافع بمحاولة الجبهة دخول الخرطوم عبر محورين). مراقبون اعتبروا ان أخطر من التصدي للجبهة الثورية هو عملية توحيد الجبهة الداخلية التي تحتاج في المقام الأول والأخير الى عملية مصالحة شاملة تنتهجها الدولة مع مواطنيها برفع المظالم وتحسين الاوضاع المعيشية، ويربطون تلك الاجراءات بمجموعة من السياسات بدءاً بالسياسات الاقتصادية وعودة الدولة جزئياً للتحكم في السوق، بالاضافة لعدم عرقلة الحملة الرئاسية على الفساد. فيما يرى د. اسامة زين العابدين في حديثه ل(الرأي العام)أن الامر يتجاوز مطالبات الجماهير في القضايا الوطنية الكبرى، ويحتاج لاعادة النظر في ترتيب أولويات الدولة لصالح الامن والاستقرار أولاً. من جانبه اعتبر القيادي بتحرير السودان جناح القيادة العامة آدم عوض، أن اجراءات الدولة وسياساتها المفترضة لتحقيق تماسك في الجبهة الداخلية يحتاج لتصالح الحزب الحاكم مع نفسه اولاً عبر حسم جناحه المتطرف والرافض لعمليات التفاوض مع الحركات المسلحة ، وطالب باعادة المؤتمر الوطني التفكير في قراراته ومواقفه إزاء الحركات وقال ل(الرأي العام)(نحن ضد الفوضى واستخدام العمل العسكري في التغيير، والا لما وقعنا سلاماً، لكن يجب أن تلتزم الحكومة باستحقاقات السلام) واضاف(الشارع ينتظر قرارات شجاعة من المؤتمر الوطني). وتوقع آدم استمرار العمليات العسكرية مع الجبهة الثورية طالما ظل المؤتمر الوطني مغلقا على قضاياه ومشكلاته مثل من يخلف البشير ومن سيكون بديله حال قرر عدم الترشح مرة أخرى للرئاسة، وتعديلاته الداخلية، لأن الجبهة الداخلية تحتاج لما هو أكثر من ذلك. د.مصطفى عبد الله، رفض العديد من القراءات حول استمرار العمليات العسكرية مع الجبهة الثورية، وأكد أن استمرار العمليات من شأنه اطالة أمد التوتر في الاقليم وهو ما لا يرضي العديد من الدوائر المهتمة وقال(أمريكا تحرص على استقرار الجنوب الذي اشرفت على انفصاله، بالتالي تتخوف من انتقال عدوى التوتر اليه، لذا كررت على لسان سفيرها أهمية حسم المشكلات الداخلية بطرق سلمية). خطة الجبهة للدخول الى الخرطوم، كانت بمثابة كلمة السر التي اعادت انتاج مخاوف الخرطوم، التي يرى البعض أن الوطني يوظفها لتوحيد الجبهة الداخلية خلفه كلما أشتدت حدة التناقضات الداخلية، وبروز قصور سياساته في ضبط ايقاع الحياة المعيشية للمواطن بسبب ضيق الحال بفعل التدهور الاقتصادي ، ما حفز الاستفهام حول امكانية نجاح نقل الحرب الى الخرطوم عملياً. تقبل الكثيرين للأمر وتفاعلهم معه وتصديقهم لامكانية حدوثه مرة أخرى في الخرطوم، أرجعه محللون لما خاضته المدينة في تجربة سابقة في 2008م وعرفت بعملية الذراع الطويل في 10 مايو 2008 م ، التي صحبتها تصريحات لحكوميين مفادها علم الحكومة منذ وقت مبكر بتحركات العدل والمساواة، وتركها تدخل الى أمدرمان لاثبات وجهة نظرها بأن الحركات المسلحة حركات معتدية أي بهدف حرقها سياسياً. الخرطوم تحت القصف لم يكن سيناريو جديدا على العاصمة المركز، لكنه بدا بعيداً موغلاً في التاريخ ، فشهدت ذات المدينة من قبل ترجمة عملية لحرب المدن ابان دخول قوات المعارضة في 1976م لأمدرمان فيما عُرِف باسم (المرتزقة). من جانبه ذهب عضو مجلس قيادة الانقاذ سابقاً العميد (م)صلاح كرار، لامكانية نقل المعركة للخرطوم من ناحية تكتيكية واعتبره أمراً متوقعاً ومحتملاً، ويعدد الرجل العديد من التجارب والنماذج لانتقال الحروب الى العواصم بهدف اسقاط النظام، وحصر تحالف جبهة تحرير ارتيريا وجبهة تحرير التقراي لاسقاط نظام منقستو في اثيوبيا بتوجههم نحو العاصمة اديس ابابا، واستشهد ايضاً بحال الجيش الحر في سوريا وأن تركيزه حالياً ينصب على اضعاف النظام من داخل دمشق وتوجيه ضربات موجعة للتأثير معنوياً وتكتيكياً ما زاد من معدل الانشقاقات وأضاف :(بالتالي فالحديث عن نقل الحرب الى العاصمة ليس جديداً بل مجرب، حيث يعتبر البعض أن ضرب العاصمة أسهل وسيلة لاسقاط حكومة ما لأن بها كل شرايين الحياة ، وما تجربتي 1976 م و 2008 م ببعيدة عن الأذهان ، بالتالي فالأمر محتمل). عملياً ، بدا سيناريو زحف قوات الجبهة الثورية نحو الخرطوم، ضربا من العبث إن لم يكن من الجنون في ظل المساحات الشاسعة التي تبقت عقب انفصال الجنوب، لنقل الحرب الى العاصمة الخرطوم، وهو الامر الذي استبعده ايضاً كرار، الذي يرى أن عملية الزحف تتطلب قوات ضخمة جداً وتعدد في محاورها ، وهو ما لا يمكن أن يحدث. وقال( الامر لن ينجح الا اذا تحركت الخلايا النائمة بعمل داخل الخرطوم يسبب الارتباك، بالتالي يتم تطوير الخطط الهجومية للقوات الزاحفة بناء ً على ما حدث في الخرطوم). وعن خطورة الخلايا النائمة في نقل الحرب إلى العاصمة، قال عضو مجلس قيادة الانقاذ السابق: (خليل ابان زحفه على أمدرمان لم يكن يعتمد في هجومه على القوات المرافقة له، والدليل انه حمل اسلحة متطورة جداً لا يعرف من معه من جنود استخدامها، كالمضادات للدروع، وانما حملها لتستخدمها الخلايا النائمة التي تعرف كيفية التعامل معها)، وقطع كرار بوجود خلايا نائمة للجبهة الثورية، وستظل نائمة الى حين تحديد ساعة التحرك كجزء من خطة كبيرة، لأن التحرك الى الخرطوم زحفاً امر في غاية الصعوبة ، لكن بعد تحرك الخلايا النائمة الاول يمكن ان يتم الوصول الى الخرطوم في غضون عشر ساعات على أكثر التقديرات. فيما يذهب الخبير في شئون الحركات القيادي بتحرير السودان- القيادة العامة- آدم عوض الى أن ترجمة قطاع الشمال أو الجبهة الثورية لخطها المعلن في اسقاط النظام عبر نقل الحرب الى العاصمة أمر وارد في العمل السياسي خاصة في ظل وجود خلايا نائمة. ورفض عوض اعتبار رؤية المجتمع الدولي نهائية في عدم تغيير النظام بالخرطوم، وقال (المجتمع الدولي رؤيته غير ثابتة تجاه اسقاط النظام، لأنه يتبنى خطوط دول عظمى فقط كأمريكا، بهدف تمرير بعض القرارات، ومع ذلك فهو يواجه النظام بآليات اخرى كالجنائية الدولية ويضغط بوسائل اخرى عليه، خصوصاً وان رغبة الدول العظمى عدم تغيير النظام بالقوة او العنف، لكنها مع تغيير النظام، وأضاف :( بالتالي رؤيته الحالية لا يمكن الاعتماد عليها، لأنها ترتبط بالتغييرات في الساحة السودانية نفسها). اذاً ثمة احتمالات للامر على ضوء حديث د.نافع، بيد أن التأكيد ربما يبدو أوضح حال نقلت التسريبات الميدانية عن اعتماد الجبهة الثورية لتكتيكات الحرب العراقية الايرانية، في الحشد والانتقال، ما يجعلها في نهاية الامر وبعد كل مواجهة تحقق هدفها عن طريق مجموعة ولو بسيطة ، بالاضافة لأن الحشود متعددة المراكز تعني تعدد محاور المعارك وتشتيت القوات ما يرهق الجيش ويضعف لياقته في ظل دعم متواصل سواء كان من جوبا كما تقول الخرطوم أو من غيرها ، لكنه في نهاية الامر يجعل المشهد سوداوي.