فاجأني (الفيس بوك) بكلمات نشرها بحقي الصديق ضياء الدين بلال في عموده المقروء بصحيفة السوداني الغراء ،كنت حينها خارج السودان في اجازتي السنوية بالاراضي المقدسة، تأملات ضياء الوفية فتحت في خاطري فوهات النزيف واعادتني الى أواخر تسعينيات القرن الماضي حيث كنا نتفيأ سوياً ظلال الحبيبة (الرأي العام) التي جرت فينا مجري الدم من العروق.. كتب ضياء : (الصديق الوفي محمد عبد القادرأخيراً حصل على إجازة بعد ما يقارب خمس القرن من الزمان في مطاردة الأخبار! 16 عاما من التعب وحمى السهر ووحشة الليل، دون انقطاع إلى مشارف الصباح! قرر أبوحباب التقاط أنفاسه وغسل أحزانه في... إجازة روحية بالأراضي المقدسة في معية أسرته الكريمة. زاملت الرجل بالعزيزة (الرأي العام) لعشرة أعوام، لم أر شخصاً له طاقة احتمال للأعمال التحريرية والإدارية الشاقة مثل ود عبد القادر! فهو كما يقول النقاد الرياضيون لاعب يتمتع بطاقة جبارة وثبات انفعالي نادر ومقدرة استثنائية على امتصاص المفاجآت وتنظيم الهجمات المرتدة وإعادة ترتيب الأوراق في عين العاصفة والعمل تحت الضغط العالي! من يصدق أن الرجل كان في مستهل الألفية الثالثة يأتي للصحيفة لتحرير الأخبار بحقيبة ملابس كاملة، السبب أن ظهره كان ملغماً بالحبون ، التي كان ينفجر بعضها خلال اليوم! كان محمد عبد القادر بروحه المرحة وسخريته الطازجة يضاحك الزملاء في صالة التحرير ويستنطق السياسيين عبر الهاتف والدماء تنزف من ظهره ولا يقول (آه(. هنيئاً لك عزيزي محمد هذه الإجازة الروحية، لا يوجد في هذه الدنيا ما يعادل أو يساوي ركعات خاشعات أمام بيت الله وجرعات مباركات من ماء زمزم ودمعتين نقيتين في حضرة الحبيب وابتسامة على وجه حباب!..). انتهى حديث ضياء. العزيز (أبو رنا) طوقني بشهادة غالية عبرت عن وفاء معهود فيه لسنوات قضيناها تحت مظلة العزيزة (الرأي العام) وفي كنف وقارها ورصانتها وقدرتها على الجمع بين القلوب. نعم كنت أرى دنيتي في (المانشيت) والخبر الخاص والسبق الذي يؤلم المنافسين،وكنت التمس العافية في مطاردة الاخبار والتطورات ونسج علاقات حفية مع القيادات السياسية، كان ضياء الدين يومها وما زال يشاطرنا النجاح والابتسامات الودودة والحكايات الطاعمة، كل شئ كنا نراه يسيرا في مقابل حبنا ل(الراي العام) التي وهبناها انضر سنين العمر وما زلنا (نحترق) ونعتز بحبها ، كنا نمكث بين مكاتبها المثقلة بالحبر والمسكونة بالمحبة أكثر من بيوتنا. حينما خرج ضياء من (الرأي العام) كتبت انه ( حالة انسانية عامرة بثراء الوجدان، وأنموذج مهني نادر للصحفي حينما يكون مثقفاً ، وهو صاحب قلم يلامس الأوجاع والحقائق لا يكتفي بوضع يده على الجراح لكنه يتعدى ذلك الى تحرير (الروشتات) واقتراح الحلول..). الحضور المتبتل في أوصال المهنة ميز مسيرة ضياء كثيرا، فالصحافة تجري في عروقه مجرى الدم ، يتنفسها ويعشقها ويتفانى في خدمة مقتضياتها بضمير (عجيب) وصدق لا يطاله التعب، والرجل مبدع قلق تتقافز الأفكار في مخيلته وتثور في أفقه بتوارد لا يهدأ حتى تنثال كالمطر، الوعي ناظم مركزي لإلتزامه تجاه ضميره وعلاقته مع الناس ، وهوشخص يجعلك تثق جداً في أن (الدنيا والمهنة ما زالتا بخير)، يضيف إليك في كل سرد (قيمة) وفي أي تأمل جمالاً، لا يبارحك حتى ينتزع منك ابتسامة أو يجزل لك نصيحة أو يضعك على ناصية التأملات الشقية، ويمضي تاركاً على اذنيك عبارة تفتح في دواخلك سقفاً لا محدوداً من التخيل.... (والله لكن حكاية عجييييييييييبة).. صديقي ضياء : نعم لا يوجد في هذه الدنيا ما يعادل أو يساوي ركعات خاشعات أمام بيت الله وجرعات مباركات من ماء زمزم ودمعتين نقيتين في حضرة الحبيب وابتسامة على وجه حباب!..).