بعد (16) عاماً في خدمة صاحبة الجلالة سأكون اعتباراً من يوم غد الثلاثاء في إجازة سنوية، ظللت منذ العام 1997م جندياً مُخلصاً في البلاط الصحفي بلا توقف، لم أحصل على حقي في العطلة طيلة هذه المدة التي توزعت بين ثلاث محطات: (الرأي العام) التي تَفيّأنا ظلالها الحبيبة لمدة سبع سنوات متواصلة، ثم بعد ذلك صحيفة (الشرق القطرية) (18) شهراً، فصحيفة (الصحافة) (16) شهراً قبل أن أعود الى العزيزة الغالية جداً (الرأي العام) في الفترة الثانية والتي استمرت منذ العام 2007م وحتى اليوم. أكاد لا أصدق أن ثلث عمري أمضيته بين رهق هذه المهنة.. دخلت (الرأي العام) وأنا ابن الثانية والعشرين عاماً إلا قليلاً.. جئتها متدرباً يافعاً.. فبلغت فيها منصب نائب رئيس التحرير.. مررت في هذه الرحلة المليئة بالأشواك والحرير عبر بوابتي (رئيس قسم الأخبار) و(مدير التحرير)، وها أنذا أمضي إلى نهايات العقد الثالث ومازلت جندياً مخلصاً أواصل الليل بالنهار مُمارساً لذلكم العشق الذي تمدّد في أوصالي وجعلني (خادماً أميناً) لجناب (الرأي العام). هذه الصحيفة رعتنا صغاراً وربتنا في مدرستها النظيفة.. وها هي تحتملنا (كباراً) وبين المحطتين تترامى ذكريات بعضها يداخل النفس بكل جميل وآخر يستوطنه الحزن ويتسيّده الأسى وتبلله الدموع. محطات خالدة ظللت مسيرة طويلة ونحن نضع بناء هذه الصحيفة في عودتها الأخيرة (مدماك - مدماك) دون كلل أو ملل، تتراءى صور لأحباء رحلوا عن الفانية يعبرون يومياً ذكرياتنا الباكية كان آخرهم الحبيب كمال حنفي، وزملاء انتقلوا إلى منابر آخرى لكنهم شيّدوا أسماءهم الكبيرة من هنا، وآخرين مازالوا بيننا في (الرأي العام) يواصلون عشقهم النبيل للمنبر العريق وللمهنة التي تحاكي رسالة الأنبياء. بعد (16) عاماً انتبه اليوم إلى أنني لم أتوقّف عن العمل.. وان الفواتير التي سدّدناها من سهرنا ورهقنا وأعصابنا وصحتنا وضوء أعيننا كانت تستحق أن تسدّد نظير الانتماء الى هذا المنبر النبيل. تبدّل كل شئ لكن عشقنا لهذه الصحيفة سيظل قائماً يفتح بيننا ورضاء الروح ويقربنا إلى الوفاء.. أغادر هذه الصحيفة لمدة شهر في استراحة أجلس فيها مع نفسي التي لم التقيها منذ دخلت هذه الصحيفة. الصديق ضياء الدين بلال (أبو رَنا)، بالمناسبة حتى (رنا وحباب وراما وحازم وحسام) كانوا ونسة في ليالي رهق (الرأي العام) قبل أن تترجمهم المشيئة إلى نطف تتخلق لتصبح أناساً من لحم ودم يأكلون ويشربون ويتنفسون غيابنا، ويحنون إلى وجودنا بينهم مُتحلقين على صينية غداء. ضياء انسل من نسيج (الرأي العام) لكنه ما زال يحملها عشقاً وحباً وذكريات.. ضياء ظل يذكرني بأيام كان يجدني فيها نازفاً وأنا أطارد الأخبار و(جروحي مفتوحة) على مصراعيها.. كنا نجد في (الرأي العام) بلسماً وشفاءً ودواءً ونحن نمكث فيها أكثر من بيوتنا ومازلنا. إلى كل الذين ارتبطت معهم بالتزامات ذات صلة بوجودي في (الرأي العام) وللقراء الأعزاء، أسمحوا لي بالانسحاب قليلاً بعد (16) عاماً قضيتها بين الكتابة والتزامات التحرير التي لا تنتهي.. لم اختر أن أبعد إلا لأذهب الى الأراضي المقدسة في رحلة تأملات ومراجعة وإصلاح للروح.. استأذنكم في الانسحاب.