يقال إن «الفضيل بن عياد» نصح «هارون الرشيد» وذكر له أنّ والياً لسيدنا «عمر بن عبد العزيز»شكاه الناس إليه فكتب إليه: «يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء» فلما قرأ الوالي رسالة الخليفة ترك ولايته وجاء للخليفة، فقال له: ما أقدمك؟ قال: «خلعت قلبي بكتابك، لا أعود الى ولاية أبداً حتى ألقى الله عز وجل واستقال من عمله والياً. الرواية أعلاه نهديها إلى محمد عبد الفضيل السني وزيرالإرشاد بولاية القضارف، وهو يرفض الاستقالة على خلفية حادثة مصرع الحجاج (عفصاً) مع بداية التقديم للشعيرة، ويؤكد أن (الحادث قضاء وقدر وأن أدب الاستقالة مفهومٌ غربيٌ وأنه لن يقتدي بالمسؤولين هناك لأنهم لا يؤمنون بالأقدار). التصريحات غير موفقة يا سعادة الوزير.. وبغض النظر عن علاقتك بما حدث إلاّ أنّ تشبثك بالكرسي على هذا النحو يخصم كثيراً من سلامة موقفك الأخلاقي، ويضعك في موقف لا تحسد عليه.. من المفترض أن تتحمل المسؤولية عما حدث، لأنّ أمانة التكليف تضعك في (وجه المدفع) وأنت القيم على أمر الحج في القضارف. أن يكون الحادث قضاءً وقدراً فهذا لن يعفيك من المسؤولية، لأن التزامات الوظيفة تقتضي أن تتحمل مسؤوليتك في الأزمات مثلما تستمتع بالكرسي والحوافز والمكافآت. أدب الاستقالة عزيزي الوزير لا يتوافر إلا لأصحاب الضمائر الحية من الذين ينظرون إلى الوظيفة بمقدار عطائهم وإيفائهم لاستحقاقاتها، لا بمقدار ما توفره لهم من دعة ونعيم واستئثار بالجاه والسلطة. التكليف في الإسلام أمانة وليس تشريفاً، وإذا كان الإسلام ينظر إليها من باب أنها (أمانة وخزي وندامة إلا من أداها بقلب سليم) فيصبح من الطبيعي أن نكون متقدمين على العالم الغربي لأننا كمسلمين لا نسعى للوظائف ونقبلها على مضض مخافة التقصير في عباد الله لتصبح الاستقالة أدباً و(نفاجاً) نخرج به لتبرئة الذمة وتفادي الحرج الذي قد يوقعنا فيه تقصيرنا في الآخرين. ما كنت أتوقع أن يكون خيار الاستقالة عندك، كنت أتمناها إقالة تشفي صدور قوم مؤمنين أسهم تقصير وزارتكم في أن يمضوا ضحايا ضعف الاستعداد للتقديم لشعيرة من المفترض أن يراعي فيها الناس. الحقيقة تقول يا سعادة الوزير إنكم تتحملون المسؤولية الأخلاقية لا الجنائية، وهنالك فرق لأن الأولى يستشعرها الضمير وتقود إليها شجاعة الشخص ومسؤوليته تجاه ما يفعل، والثانية تثبتها المحاكم ويعاقب عليها القانون.. تمنينا لو صمت لأن حديثك عن رفض الاستقالة يؤكد أن الكرسي عندك أقيم من أرواح الناس..! تعليق فشلكم على شماعة القضاء والقدر أمرٌ لن يفيد، وفاة «12» حاجاً بهذه الطريقة حدث يستحق استقالة أو إقالة كل الحكومة لا (ملاواة) وزير واحد يرفض الاعتراف بخطئه.. حاسبوا الوزير عزيزي المجاهد الضو الماحي ولا تنتظروه حتى يقرر مصيره في قضية تقصير بائنة مثل الشمس، فالتاريخ لن يرحم.