مما ينسب لسيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله ( لو كان الفقر رجلاً لقتلته)،وأكثر تبديات الفقر هي الجوع ،وعندما تبدأ المعدة نقل إشارة الإحساس بالجوع ،فيتضور الجائع وتبدو عليه علامات الطوارئ فيبدأ الجسم في تقليص أعماله حتى يتقشف في إنفاق ما تبقى لديه من مخزون الطاقة ،حينها يتباين الناس في القدرة على تحمل هذه الأحاسيس و السيطرة على السلوك ،ولعل هذا هو الذي يصنع الفرق ،فمن الناس من يصبر على الجوع ويتحمله اعتقاداً أو تعوداً ( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ،وإذا أكلنا لا نشبع) فيصبح الزهد في الطعام سمة لهم ،وربما تلعب خاصية تحمّل شظف العيش والجوع مقدرة على الصبر والزهد والنأي عن أن ينقاد الشخص لأمعائه أو شهواته ،بالرغم من أن القاعدة العامة المتماشية مع الفطرة البشرية السليمة تقول (إن الذي لا يملك قوته لا يمتلك قراره ).ومن هنا تأتي حكمة الإسلام في أن يحس المسلم بجوع أخيه الإنسان مهما كان ثراؤه حين فرض الصوم طيلة اليوم في شهر رمضان .يمثل ثالوث المرض والجهل والفقر أخطر مهدد للحياة البشرية في القارة الأفريقية حيث ترتفع معدلات الفقر والأمية وتنتشر العديد من الأمراض المرتبطة إما بنمط الحياة وبيئة المعيشة أو بالسلوك الغذائي ،ويقدر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الذين يعانون من نقص التغذية بحوالي (1.02)مليار شخص من بين سكان العالم الذين يقارب تعدادهم سبعة مليارات ،ربع هؤلاء الجوعى من أفريقيا ، وقد أعلنت الأممالمتحدة ضمن أهداف الألفية الحالية تقليص عدد الجوعى إلى النصف، ليس منطقياً أن نتحدث عن الجوع دون الحديث عن مسبباته بمناسبة انعقاد القمة الأفريقية العالمية لمكافحة الجوع بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا ،فالأسباب وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي هي ( الكوارث الطبيعية، الصراعات، الفقر، ضعف البنية التحتية الزراعية، الاستغلال المفرط للبيئة. الأزمات المالية والاقتصادية) ،كيف تعالج أفريقيا مشكلة الجوع دون أن تضع آلة الحروب والنزاعات أوزارها؟،بل وقبل أن تترك الأجندة الخارجية وتنظر لنفسها ،فمن دون الأمن والإرادة لن تكون هنالك تنمية وتقوية للبنى التحتية الزراعية ومكافحة التصحر. حاشية: ما ينقص أفريقيا هو رأس المال المستثمر في الزراعة ،فمكافحة الجوع التي تعني ضمناً محاربة الفقر تحتاج مشاريع زراعية ضخمة وعملاقة ،وهنالك دول نفطية كبرى مثل ليبيا ونيجيريا والجزائر تمتلك رأس المال ،ومجموعة أخرى تمتلك التقنية والصناعة مثل جنوب أفريقيا ،ومجموعة ثالثة تمتلك الأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة أو الممكن استصلاحها مثل السودان ومصر وتونس ،فلا بد أن تلتقي هذه القدرات في مشاريع تكاملية تخرج الملايين من العاطلين من الفقر وتوفر الغذاء ،لكن بعد أن تحرر نفسها من الإملاءات الخارجية لأن امتلاك الغذاء يعني امتلاك القارة لقرارها وهو ما لا يعجب الكثيرين.