مرت الذكرى ال (24) للإنقاذ بعد تجربة طويلة من الحكم حدثت بها الكثير من التحولات والتطورات ، وواجهتها الكثير من التحديات داخليا وخارجيا الهدف الأول والأخير تفكيك (الإنقاذ) حينما ايقن اعداء الاسلام ان من أتى على سدة الحكم هم إسلاميون ، فبدأت تُنسج المؤامرات وتحاك الدسائس حتى نجح هؤلاء فى بذر الفتنة بين الاسلاميين حينما تمت المفاصلة الشهيرة فى العام 1999 فانشطروا الى حزبين متناحرين ما زالت تداعيات ذاك الانشقاق باقية حتى الآن.. انبتت هذه البذرة فتنة كبرى وتطورت بشكل لافت حتى وصلت مرحلة الاتهامات المتبادلة جعلت إخوان الامس اعداء حد ان تسبب الشعبى (او كما يرى الوطنى) فى تأزيم قضية دارفور التى تم تدويلها حتى اصبحت عصية على الاحتواء ، بينما يتهم الشعبى الوطنى بالتآمر ضده حتى ابعده عن الحكم (او كما يظن الشعبى)، واشتدت الاتهامات بينهما فصارا خصمين لدودين،خصاما جعل الأول يعارض بشراسة و يضع يده مع ألد أعدء الاسلاميين. وواجهت الانقاذ الكيد والتآمر من الخارج من دول الاستكبار اولا بتأليب دول الجوار فكانت دول كاثيوبيا واريتريا وليبيا ومصر تكيل العداء والتآمر على السودان وصل حد ان تساعد مصر وليبيا الحركة الشعبية على انفصال الجنوب، وكان دور قيادتيهما واضحا ، فانقلب عليهما تآمرهما ذاك واطاحت بهما ثوراتهما الشعبية فى غياهب اللامنتهى ، اما اثيوبيا واريتريا فقد كانتا تأويان المعارضة وتدعمها بشكل سافر ، والآن صارت هذه الدول الاكثر قربا للسودان ودعما له. فدور اثيوبيا واضح فى دعم السلام بالسودان وكذلك اريتريا ، والعلاقة صارت جيدة مع مصر وليبيا .. والتآمر على السودان ظل مستمرا خلال ال 24 عاما حتى افلح المتآمرون فى شطر البلاد وفقد ما يقارب الربع من مساحتها بانفصال الجنوب ، وذهاب البترول الذى يعتبر اهم انجاز حققته الانقاذ وبذلت فيه جهودا جبارة بعد ان فعلت الشركات الامريكية (فعلتها) المعروفة بتعطيل آبار البترول وطمس ملامحها عنوة حتى لا تستطيع الحكومة السودانية (الاسلامية) استخراجه ، بعد ان ضربت الادارة الامريكية حصارا اقتصاديا على السودان كوسيلة للضغط حتى ترضخ حكومة السودان لشروطها وتصبح رهن اشارتها ، ولكن حكومة السودان لم يزدها هذا الحصار إلا قوة ومنعة فاتجهت بكلياتها نحو الاكتفاء الذاتى بمواردها الذاتية، فكان ان نجحت فى استخراج البترول والاكتفاء منه وسلع اخرى استراتيجية .. حاول هؤلاء حرمان السودان من البترول واجهاض تلك الجهود التى اثمرت رغم أنف الاعداء ، سيناريو الحرمان كان انفصال الجنوب ، ولكن استطاع السودان ان يتجاوز هذه الأزمة بان اتجه الى بدائل اخرى لدعم خزينة الدولة، فارتدت الكرة الى هؤلاء المتآمرين حينما تأثر الجنوب سلبا، فلم يستطع الاستفادة القصوى من بتروله بقرار قادته (الأرعن) حينما اوقفوا تصدير البترول كضغط على حكومة السودان ولم يفلحوا فى ذلك ، والثانية حينما دعم الجنوب ما يسمى الجبهة الثورية بالاعتداء على ابو كرشولا وأم روابة ما جعل حكومة السودان تقرر إغلاق انبوب البترول وايقاف تصديره عبر أراضيها .. ولا يزال الكيد والعداء موجها صوب السودان، حيث انتقلت الحرب الى مناطق اخرى بجنوب كردفان والنيل الأزرق وبعض المناطق بدارفور، وظلت حكومة السودان تواجه التحديات من كل صوب حتى تنشغل بالحروبات وتغفل التنمية ، وبالقياس لما واجهته الانقاذ منذ بداياتها من ازمات وحصار، فانها استطاعت ان تحقق الكثير على كل الأصعدة ، فعلى الصعيد السياسى استطاعت ان تحقق قدرا كبيرا من الانفتاح السياسى واشركت عددا كبيرا من الاحزاب فى الحكومة وحققت قدرا كبيرا من الديمقراطية والحريات .. واستطاعت ان تصنع سلاما بجنوب السودان وايقاف حرب دامت اكثر من عشرين عاما ، واستطاعت ان توقف الاقتتال والنزاع باقليم دارفور بتوقيع وتنفيذ اتفاقية الدوحة الذى وقعت عليه عدد من الحركات المسلحة والمساعى جارية لانضمام الحركات الاخرى، ووقعت اتفاقا آخر مع جبهة الشرق وسبق ان وقعت اتفاق جيبوتى مع الصادق المهدى واتفاقيات اخرى عاد على اثرها الكثير من المعارضين، بجانب المصالحة التى تمت مع التجمع الوطنى الديمقراطى بقيادة مولانا محمد عثمان الميرغنى وشارك جلهم فى الحكومة .. وعلى الصعيد الاقتصادي اُنجزت العديد من المشروعات التنموية التى عادت بالنفع العميم على الاقتصاد الوطنى كإنشاء وتعلية الكثير من السدود وكان نتاج ذلك الاستقرار الواضح فى التيار الكهربائى واستخدامه فى المشروعات الزراعية والصناعية ، واستخراج البترول الذى ما زالت الجهود مستمرة باستخراجه فى مناطق عديدة بشمال السودان ، مما اثمر اجتذاب المستثمرين الاجانب والمحليين، فكان إنشاء العديد من المشروعات سواء فى الجانب الصحى بإنشاء مستشفيات على أحدث طراز تضاهى المستشفيات بالخارج ، او فى الجانب الصناعى حيث اُنشئت العديد من المصانع وتطورت صناعتنا اكثر ، او فى الجانب الزراعى اذ ان الكثير من المستثمرين جاءوا للسودان للاستثمار فى الزراعة كان آخرهم الوفد السعودى الذى وقع عقدا لإنشاء مشروعات زراعية ، وعلى الصعيد التنموى تمت انجازات اخرى فى الصحة بتطور الخدمة الصحية بالمستشفيات وتوفير التأمين الصحى ، وجهود أخرى بُذلت فى جانب البنيات التحتية كالطرق والكباري ، وانجازات اخرى لا يسع المجال لذكرها .. وعلى الرغم من هذه الانجازات فان الانقاذ التى اصبحت تشاركها احزاب اخرى فى الحكم قد اخفقت في مناحي أخرى يجب ان تجعل مناسبة مرور 24 عاما مراجعة لها.. ينبغى ان تلتفت الى الأصوات التى تنادى بالإصلاح خاصة تلك التى من بيت الانقاذ الداخلي من ابنائها المخلصين، فهؤلاء من ينظرون لاخفاقات الانقاذ بعين فاحصة وبقلب مهموم .. يريدون أن تمضى المسيرة مبرأة من كل عيب أو نقص ، على قادة الإنقاذ ان يجعلوا هذه المناسبة لمراجعة الماضي ومحاسبة النفس وألا يستصغروا المثالب وإن كانت فى نظرهم ضعيفة ، هى مناسبة لمراجعة الإخفاق ومحاسبة من تسبب فيها وإن كان حسابا (داخليا) لا يشعر به الآخرون..فالتحديات القادمة أكبر وأخطر ..