لم يكن من المرجح نجاح تحرك الثلاثين من يونيو المناوئ لحكم الإسلاميين لولا سابق ترتيب مع الجيش والإعلام ،فرفضت الأحزاب وحركة تمرد وجبهة الإنقاذ كل نداءات الرئيس المعزول مرسي مع توافق ما وافق عليه مرسي وما أعلنه الفريق السيسي قائد الجيش المصري إلا في شيء واحد هو تغيير النظام ،فتعديل الدستور وتكوين حكومة كفاءات ولجنة للمصالحة الوطنية وميثاق شرف للإعلام وتعجيل استصدار قانون الانتخابات الجديد بواسطة المحكمة الدستورية كل تلك المحتويات التي أسماها الجيش بخريطة الطريق كانت من ضمن ما طرحه ووافق عليه الرئيس مرسي ،أفلح الإعلام المصري في رسم كل متطلبات الإطاحة بنظام الإسلاميين موظفاً كل خلل ارتكبوه ذاتياً أو بمعاوقة الدولة العميقة في مجال تعطيل الخدمات ،وروج التيار السياسي المتفق مع الجيش لصورة الثورة الشعبية ،فكان لهم ما أرادوا صوروا ميدان التحرير أرضاً وجواً وبنوا عليه حساباتهم ،لقد أوقع أولئك الإنقاذيون بتعجلهم الحكم وإقصاء المناوئين ،أوقعوا الجيش في مأزق ،فلم يكن منطقياً أن يعلن الجيش ما أعلنه فقط في اليوم الرابع من التاريخ المعلن للثورة ،فالواقع يقول إن ليس هنالك ثورة تعلم موعد نجاحها على وجه الدقة ،فتتسمى بيوم بدايتها لكنها لا تدري ما هو مآلها ومتى يتحقق لها ما تريد ،فليس هنالك ثورة في ثورات الربيع العربي الأخيرة يكون الموعد بين خروجها وتغيير النظام ثلاثة أيام ،لو أن الجيش صبر أسبوعاً لاستبان له الأمر أكثر ،إن ما شهدته مصر يوم الجمعة من مسيرات حاشدة ومليونيات مؤيدة للرئيس مرسي ،تؤكد أن قرار انحياز الجيش للمحتشدين لم يكن معبراً عن توجه مرجح بين الشعب ،والدليل على ذلك قلة أعداد المتظاهرين في ميدان التحرير من أنصار نظام الحكم الجديد يوم أمس ،مما يشعرك بأنهم جاءوا في الثلاثين من يونيو مطمئنين أن مهمتهم محددة الهدف محدودة المدة لا تنطوي على مخاطر ولا تحتمل أية احتمالات أخرى ،وقد نقل التلفزيون المصري الرسمي جانباً من مظاهرات أمس عندما أصبحت كالطوفان ،ذهب بعض المحللين إلى تفسيرات عديدة ،لكن ذلك كان نداءً للمؤيدين للنظام الجديد أن نظامهم في خطر وأن يخرجوا لمناصرته ،ورغم ذلك لم يكن هنالك مردود كبير ،إذن لا يزال الشارع المصري فاعلاً في المعادلة السياسية ،فيوم ٌٌيكون مع هذا ويوم مع ذاك ،وهو خطأ وقعت فيه مصر التي نسيت عداءها الإستراتيجي مع إسرائيل ،وجازف الجيش بأهم عامل من عوامل القوة الإستراتيجية الشاملة وهو التماسك المجتمعي والالتفاف حول العقيدة العسكرية للجيش الوطني . حاشية: كلمة الحق التي يراد بها باطل أن الشعب هو مصدر السلطات ،لكن سلطته هذه تنظم عبر انتخابات بآجال محددة لا يصح له حتى سحب أصواته إلا بانقضائها ،وهو ما أدخل مصر في سجال الشارع والشرعية.