سألت عن رئيس أحد الأحزاب المنفرطة عن التنظيم الأم ، قالوا انه يتواجد يومياً امام دكان بالسوق العربي ، وعندما وصلته تأكد لي انه يدير شئون الحزب من ذلك المكان وسط صيحات الباعة المتجولين وازعاج المتمركزين ، وعندما طلبت منه ان يصف لي مكان دار الحزب او مركزه العام ، ضحك وقال لي حتى الآن تم تسجيل مايقارب المائه حزب ، هل شاهدت لافته لمقارها باستثناء ثلاث أو اربع ، وتذكرت ان أحد أحزابنا الكبرى وهو الاتحادي الدمقراطي (الاصل ) كان له مركز عام بالخرطوم غرب تم اخلاؤه بالقانون لعدم تسديد الايجار ، وأن المجموعة المناوئة للحزب كانت تتخذ من منزل مملوك لاحد افراد المجموعة مقراً لنشاطها وعلم الاستقلال يزين كل جنباتها ، لكن عندما تم تحويل حي (جاكسون) موقفاً للحافلات تحولت الدار الى ثماني كافتريات ، واذا كان هذا يحدث للحزب الكبير التاريخي فما بالنا نسأل عن دور احزاب (الترلة) او (الفكه) التي تعجز عضويتها وهي بضعة آلاف بنص القانون عن تأجير مقر لها لممارسة نشاطها. اذا اردت ان تصدر صحيفة فان قانون الصحافة المطبوعات يطالبك بدار بعقد ايجار لمكان مناسب واثاثات فاخرة وثلاث سيارات وعدد كاف من الكمبيوترات والهواتف وعقد لطباعة الصحيفة وآخر للتوزيع ومكيفات هوائية ، وتقوم لجنة من مجلس الصحافة بزيارة الموقع قبل التصديق النهائي للتأكد من الشروط ، هذا بالإضافة الى مليار ونصف مليار جنيه مرصودة بحساب الصحيفة بالبنك لضمان رواتب العاملين ، فاذا كان هذا بشأن اصدار صحيفة فلماذا التساهل مع تشكيل حزب ليصول ويجول في طول البلاد وعرضها وفي سياساتها وتوجهاتها وربما يقود هذا الحزب الاضرابات ويتسبب في الاضطرابات أو ماهو اخطر من ذلك ويتصل بالسفارات ويصدر ماشاء له من البيانات في كل شئون الدولة والامة ، كل ذلك من مقعده في السوق العربي مادام يحمل تصديقاً رسمياً من مجلس الأحزاب . والأخطر من ذلك ان الصحيفة مطالبة بتقديم ميزانيتها كل سنة الى مجلس الصحافة لمراجعتها ، فهل ينطبق هذا على الأحزاب واذا كانت الإجابة نعم هل تم ذلك ، لان التدقيق في اموال الاحزاب ومصدرها يؤكد سلامتها من الشبهات التي ما اكثرها في هذا الزمان ، وبدليل ان الأحزاب الكبيرة تطالب الدولة بدعمها مالياً لتسيير نشاطها ، وهذا مالم نسمعه من الاحزاب الصغيرة المجهرية التي لاتكاد ترى بالعين المجردة، وهذا مايثير التساؤلات عن مصادر تمويلها حتى وان كان مقابل تقديم تسهيلات لشركات أو رجال أعمال من خلال الحزب أو خدمة عضويته في كثير من المجالات ، أو حصول قيادييه على امتيازات ما كانت تتوافر لهم لولا البطاقة الحزبية والتي تتيح لهم الدخول الى اي مكان ومقابلة المسؤولين ، ان هذا الامر لم يعد يحتمل التهاون أو الهزل بعد ان رأينا في ربيع مصر العربي احزاباًُ تنشأ وتدار من الميادين العامة وتتسلط على الآخرين .