سيناريو من النفي المتكرر أخذت تتصدى به الخرطوم لاتهامات القاهرة ما بعد 30 يونيو ، بدعم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، عبر أكثر من فكرة ، فتارةً عبر تهريب أسلحة عبر الحدود السودانية المصرية للاخوان بهدف دعم مؤيديه في مواجهة الجيش والمعارضة، وتارة اخرى عبر صياغة رسالة رئاسية تكتسب ملامح ال (V I P) وتم تسريبها على انها صادرة من الرئيس البشير الى الرئيس مرسي وتحمل بعض النصائح في مواجهة خطوات الجيش والمعارضة الامر الذي سارعت الخرطوم بانكاره تماماً.. آخر محطات الاثارة في سيناريوهات الاتهامات المصرية، كان أمس الاول عندما حملت الصحف المصرية اتهامات للخرطوم بالتنسيق من داخل السودان لإيواء قيادات سياسية مصرية تنتمي للجماعة، لتنطلق جملة من الاستفهامات حيال بقاء الخرطوم رهينة الموقف الدفاعي والتبريري ازاء الاتهامات المصرية ، وعما اذا كان لهذه الاتهامات تأثيرها، ما يدفع الخرطوم لمحاولة رسم خريطة للتعامل ازاء الاطراف المصرية، خصوصاً في أجواء توتر عبرت عنها خطوة القاهرة الرسمية بتأجيل تفعيل بروتوكول النقل البري، ما يكشف حجم التشوه الذي اصاب علاقة العاصمتين. العلاقات السودانية المصرية طبقاً لوقائع التاريخ لم تكن ذات وتيرة واحدة وأنعطفت في كثير من المراحل نحو القطيعة شبه الكاملة وفي أحيان اخرى نحو التكامل السياسي والاقتصادي كما في فترات ما قبل وصول الانقاذ للحكم في العام 1989م، وبعد نجاح انقلاب الرئيس البشير كان طابع البرودة هو المسيطر في العلاقات، بحكم طبيعة الانقلاب وخلفيته الايديولوجية الاسلامية، ما يتعارض وخطوط النظام المصري آنذاك، ليستمر التعامل بتحفظ الفترات الاولى من عمر الانقاذ.. بيد أن ابرز المطبات والعواصف التي اكتنفت علاقات عاصمتي النيل وبلغت مراحل وصفت بالصعبة في أعقاب ما عرف بمحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك باديس ابابا في العام 1995م، حيث اشارت اصابع الاتهامات حينها للخرطوم، وأكده ابراهيم السنوسي نائب الامين العام للمؤتمر الشعبي ل(الرأي العام) في وقت سابق، باعتباره مسئول المكتب الخاص في الحركة الاسلامية آنذاك. بالاضافة لما شهده أغسطس من العام 1998م، فاتجهت العلاقات السودانية/المصرية للمزيد من مراحل التدهور على خلفية اتهام الخرطوم للقاهرة بمحاولة قلب نظام الحكم بالقوة من خلال استضافة اجتماعات قيادات المعارضة بالقاهرة والمعروفة بالتجمع الوطني الديمقراطي، وجه الاتهامات حينها للقاهرة بالسعي للاطاحة بالنظام السوداني، د.عبدالعزيز شدو نائب حسن الترابي في رئاسة المجلس الوطني, ومحمد الحسن الامين مسؤول الدائرة السياسية بالوطني وقتها وقبيل المفاصلة.. كذلك كان للملف الحدودي بين مصر والسودان دوره في تأزيم الموقف، وتم توظيف ملف حلايب بين الجانبين كل بحسب أجندته، ومحاولة كلا البلدين استخدامه كورقة ضغط من آن لآخر، بالاضافة لانتشار تصورات للنخب والمثقفين السودانيين عن التراجع المصري في الملف السوداني خصوصاً في الفترة التي استبقت عملية التصويت لاستفتاء جنوب السودان.. لكن آخر مراحل التوتر بين العاصمتين كان بعد ازاحة الرئيس مبارك وعلو اسهم الاسلاميين وفوزهم بأول انتخابات مصرية منذ 30 عاماً، الا أن المفاجأة التي أسهمت في احتقانات(اخوان) الخرطوم اذا جاز التعبير، وتمثلت في تأخر زيارة مرسي الى أول ابريل الماضي دون تقديم مبررات واضحة ، الامر الذي أدى لانتشار قراءات حول عدم رغبة الحكومة المصرية في الاقتران بالنموذج السوداني، وتم تفسير ذلك على أنه نوع من الاستحياء والخجل بسبب سوءات التجربة السودانية. عموماً.. الخرطوم اعتبرت الاتهامات المصرية غير الرسمية، محاولة لربط السودان بما يدور في مصر لأهداف لا تخدم مصلحة شعبي البلدين، واكدت دوائر رسمية سودانية ان الخرطوم على موقفها المعلن من عدم التدخل في الشأن الداخلي المصري، وتراعي العلاقات التاريخية وتضع في الاعتبار استراتيجية العلاقة بين الشعبين، وناشد مصدر حكومي طبقاً لتقارير اعلامية، وسائل الإعلام المصرية بعدم الزج بالسودان فيما يدور من صراع داخلي أو جعله أحد ميادين هذا الصراع السياسي ، في وقت يتطلب فيه الوضع أن تكون علاقات البلدين رصيدا لتجاوز التحديات الإقليمية والدولية بما يعود بمصر سريعا إلى دورها الريادي والقيادي في المنطقة، وغابت عن التصريحات الخرطومية أي روشتات يجب تبنيها أو اتباعها لكبح جماح شظايا الاستهداف المريب لعلاقات الخرطوم مع مصر. عدم تفعيل بروتكول المعبر كان أول رد فعل رسمي مصري بعد تفشي الاشاعات بشأن تهريب السلاح ودعم مرسي والتنسيق مع قيادات الاخوان إلا أن السفير كمال علي حسن سفير السودان بالقاهرة رفض اعتبار تأجيل تفعيل بروتوكول المعبر مرتبط بالتوترات التي تخلقها الاشاعات المتناثرة هنا وهناك ، واضاف في حديث هاتفي مع (الرأي العام)(التأجيل مرتبط بالوضع المصري نفسه ) ويرى سفير السودان بالقاهرة أن أقوى روشتة يمكن أن تتبناها الخرطوم هي الا يكون للخرطوم أية ردة فعل حادة او شديدة تجاه الاصوات المعزولة التي تسعى لتسميم الاجواء. ثمة آراء في الشارع المصري ومقربة من أجوائه المشتعلة تسخر من يكون للسياسة المصرية التركيز في هذا التوقيت ويذهب مصدر دبلوماسي فضل حجب اسمه ل(الرأي العام) بان النظام الجديد لم يكوّن رؤية سياسية ، ولم تستقر الاوضاع له بعد هناك، وقال(بالتالي فلا داعي لدفع القاهرة ، لتبني موقف تجاه السودان عبر تبني رد فعل أو خارطة تعامل أو روشتة، ومن يخرج تلك الاتهامات تجاه الخرطوم فهي جهات مغرضة ليس الا بهدف التشويش بين البلدين بتكريس الاشاعات في الوعي المصري) وأقر المصدر بعدم الحرص الخرطومي في التعجل لفتح المعبر لجهة أن ذلك يمثل قفزاً لأعلى درجات التطبيع والتعامل مع النظام الجديد وهو ما لا تريده الخرطوم ن ذلك يقفز بعملية التعامل والتطبيع مع النظام الجديد . الحزب الحاكم في الخرطوم أصر على تفسير ما يدور في القاهرة وغيرها من عواصم الحدود المشتركة باعتباره شأناً داخلياً، وقطع د.ربيع عبد العاطي عضو القطاع السياسي بأن كل ما يدور في مصر من تفاعلات يجعلها غير مواتية لتنفيذ أي اتفاقات سواء مع السودان او مع غيره ، والاجواء غير مهيئة لمناقشة أية قضايا واكتفى في توصيف دور الخرطوم في مراقبة الاوضاع في مصر والحرص على تهدئتها). واعتبر عبد العاطي أن الروشتة واجبة التطبيق لحماية الخرطوم من أي ملامة هي في ألا يكون هناك أي تدخل مباشر او غير مباشر ، وان تحتوي التصريحات الرسمية السودانية والافعال على تأكيدات بأننا لسنا معنيين بما يجري في مصر وأضاف :( كما يجب أن تدرك الخرطوم أن علاقاتها مع مصر استراتيجية لا تتأثر بتغير الانظمة والحكام)