كان رحالة بريطاني يجوب فيافي شمال دارفور وكردفان بصحبة دليل من أهل البادية ،وكان الوقت بواكير خريف ،كانا يمتطيان جملين ويتنقلان في البوادي والمعالم ،فأشار عليه الدليل بعد أن لمح (البرق القبلي) بأن يحطا رحلهما في القرية التي أمامهما لأنهما إن واصلا فستدركهما أمطار غزيرة لأن البرق في (مربط العجيل) بحسب تعبير البدوي الذي يدل على قرب هطول المطر المؤكد ،فتجاهل الرحالة الذي يجيد الكثير من العربية نصح المرشد وقال له سنواصل المسير ،فأدركهما في الطريق مطر غزير عانيا كثيرا في التعامل معه ،فلما كان الغد شاهدا ضوءاً بعيداً يتخلل سحباً في الأفق البعيد ،فقال الرحالة لدليله سننتظر الأمطار في القرية ولن نتحرك ،فقال له الرجل هذا البرق ليس في (مربط العجيل) ،فكان رد الرحالة (ربنا يربط عجل بتاعو محل هو عايز).ولعل حكاية (الخواجة هذه ) هي التي تقابلنا عند التعامل مع ما تذيعه علينا وسائل الإعلام نقلاً عن هيئة الأرصاد الجوية من توقعات بهطول أمطار ،فنتعامل معه بشيء من التجاهل وربما التشكك أو السخرية ،حتى إذا إنهالت علينا الأمطار وألحقت بعض الأضرار ،أخذنا نتساءل ما الذي تقوله هيئة الأرصاد ،ليس في هذا فوارق بيننا كأفراد أو مؤسساتنا المعنية بالتعامل مع الخريف من أجهزة الحكومة ،وحتى نتجاوز نقطة يتوقف عندها الكثيرون للتحجج برفض التنبؤات باعتبار أن توزيع الأمطار بيد الله وليس بيد أهل الإرصاد ،نقول لهم إن هؤلاء لا يوزعون الأمطار ولا يتدخلون في ذلك وإنما يرصدون حركة الرياح وتشكل السحب وانتقالها وفق إرادة الله لها .في كل عام لا نحسن التعامل مع الخريف لا في بيوتنا ولا مؤسسات الدولة ،لأننا ببساطة لا نتعامل بثقافة الفصل بين فصول السنة ،فكل فصل يتطلب تجهيزات معينة وملبساً معيناً ومأكلاً يساير خصائصه البيئية وطقسه ،لكننا للأسف نلبس ونأكل ونشرب الأشياء ذاتها في كل الفصول ،صحيح أن الكوارث الطبيعية دائماً تفوق التوقعات والاستعدادات ،لكن الصحيح أيضاً أن حجم التجهيزات غالباً لا يرقى لمستوى الحدث ،يكون مقبولا لو تحوطنا مثل اليابان عندما صممت مباني المفاعل النووي فوكوشيما أنها احتاطت لكي لا يتأثر بأي فيضان يصل ارتفاع مياهه حتى 31 متراً عن سطح الأرض ،فكان الفيضان فوق التصورات والارتفاع المحدد .لقد ضربت الأمطار والسيول أجزاء واسعة من البلاد وخلفت خسائر كبيرة في الأموال والمنازل والمحاصيل الزراعية ،وعلينا أن نتقبل حكم الله في هذه الأمطار فهي دليل خير وفير يعم البلاد رخاءً ووفرة للغذاء وتوسعة للرزق وحركة الاقتصاد برغم ما قد نعانيه. حاشية : جاء الخريف وظهرت سوءات الاستعداد له على المستوى الشخصي والمؤسسي ،وعلينا أن نقيم التجربة ونلزم أنفسنا بالمنهج العلمي في التخطيط والتجهيز والاستجابة للطوارئ والكوارث ،فالموضوع أصبح علماً ومناهج معتمدة.