الصين .. الصديق الوفي يحسب لدولة الصين أنها تنظر لعلاقاتها مع السودان بشيء من العقلانية والثبات ، فقد ظلت تحافظ على هذه العلاقة (الحميمية) في كل المنعطفات والمنحنيات التي مرت بها العلاقة بين البلدين ، حتى حينما ساءت العلاقة بين دولتي السودان وتفجرت الخلافات بينهما بسبب التوترات التي ارتفع سقفها حد تبادل إطلاق النار وكادت تتراجع العلاقة الى مربع الحرب (الضروس) ،واضطر بعدها أن يصدر السودان قراراً بإغلاق أنبوب تصدير نفط الجنوب .. ظلت علاقة الصين جيدة مع السودان .. ففي الوقت الذي تكهن الكثيرون بانحياز الصين إلى دولة الجنوب وتغليب مصلحتها الاقتصادية على المصالح السياسية التي ربما خسرت بسببها علاقاتها الخارجية ومن بينها علاقتها مع السودان، إلا أنها استطاعت أن تحافظ على العلاقة الجيدة مع السودان وتدعم مواقفه على كل الأصعدة سواء مواقف داخل مجلس الأمن واستخدام حق الفيتو لدعمه ،أو مواقف تتعلق بعلاقة السودان مع دولة الجنوب .. وظلت العلاقة متطورة بين السودان والصين والتي تجاوزت حد التطبيع إلى تبادل المنافع والتعاون الدقيق ، حتى أن مستوى زيارات المسؤولين ارتفع إلى أرفع القيادات بالحكومتين ، (الرئيس السوداني ونائب الرئيس الصيني).. فكانت آخر زيارة قام بها مسؤول سوداني الى الصين والتي تبعتها زيارة وزير الخارجية على كرتي ، هى زيارة د. نافع على نافع وهو المسئول الثاني للحزب الحاكم ، والتي كان لها ما بعدها.. تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والبروتكولات التي تصب جميعها لصالح تطوير العلاقات بين البلدين. وظلت الزيارات متبادلة بين المسؤولين بكلا الدولتين .. وفي ظني ان العلاقة بين السودان والصين آخذة في التطور.. الشاهد في ذلك ان الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية علي كرتي للصين الآن بحثت قضايا مهمة وتمخضت عن اتفاق سيؤتى أكله قريبا على ما يبدو ، إذ أن الصين أكدت ثبات موقفها الداعم للسودان مهما حدث من تطورات ، تطورات ربما عنت بها التوترات التى تحدث احيانا بين دولتى السودان ، بل ان وزير خارجية الصين قالها صراحة خلال اللقاء الذي تم ونظيره علي كرتي بأن الصين تؤكد عزمها على تكثيف الاستثمارات الصينية في مجالات النفط والزراعة والتعدين .. وهي ذات المجالات التى يهتم بها السودان في دعم اقتصاده .. فالنفط يمثل العمود الفقري لانعاش الاقتصاد السوداني حيث تجري عمليات التنقيب واستخراج النفط بمواقع عديدة بشمال السودان ومعلوم ان الصين صاحبة القدح المعلا فى هذا المجال ، وظلت تنجز عمليات التنقيب منذ ان أدارت العديد من شركات التنقيب العالمية ظهرها للسودان حينما كان الحصار الاقتصادي في أوجه.. والآن تلعب الصين دوراً كبيراً في تهدئة التوترات التي تطرأ على العلاقة بين دولتي السودان لجهة أن يستمر تدفق نفط الجنوب عبر أنابيب السودان وهب تعلم أهميته جيدا للبلدين ، الصين ايضاًُ اعتزمت الدخول في مجال الاستثمار في المجالات الزراعية وربما بدأت بالفعل ، وهي على يقين بان السودان زاخر بالأراضي الزراعية الخصبة وستحقق نجاحا كبيرا طالما أن كل مقومات النجاح متوافرة مع وجود البترول ، فالصين لم تدخل في مشروع إلا حققت انجازاً باهرا فيه ، لذا من المؤمل ان تعيد الزراعة بالسودان سيرتها الأولى .. ومتوقع ان تقفز الصين بالاستثمار فى التعدين بالسودان كما فعلت ذلك في استثمارها بالنفط حينما كان يعتبر حلما بعيد المنال للمواطن السوداني وكان يمثل مضرب مثل لاستحالة تحقيقه أو كما يقول المثل ( في انتظار البترول ) كناية عن صعوبة الوصول للهدف ، فمتوقع ان تحدث الصين اختراقا كبيرا في هذا المجال .. بل في مجالات أخرى وهي تقدم منحاً للسودان بمبالغ مقدرة وقروضا بشروط ميسرة .. وستظل الداعم والصديق الوفي في وقت تتباطؤ دول شقيقة عن تطوير علاقاتها مع السودان .. (2) جوار حميمي بين دولتي السودان يبدو ان دولة الجنوب قد اخطأت فى تقديراتها هذه المرة وهى تعول على دعم المجتمع الدولي لها بشأن اختراقاتها لاتفاقها مع السودان فيما يخص منطقة ابيى ، ففى الوقت الذى أعلنت فيه اكتمال ترتيباتها لإجراء الاستفتاء حول أبيى في أكتوبر وهو الأمر الذي ترفضه حكومة السودان لجهة انه يحرم أبناء المسيرية حق التصويت باعتبار أنهم لن يكونوا موجودين بالمنطقة في ذلك التاريخ ، اعتبره مجلس الأمن قراراً أحاديا اتخذته دولة الجنوب دون رضا حكومة السودان. أقول انه عند إعلان حكومة الجنوب استعدادها لإجراء الاستفتاء , أصدر مجلس الأمن بيانا تطابق مع وجهة نظر الحكومة السودانية بدعوته الطرفين إنفاذ ما تبقى من الاتفاقيات الأمنية المؤقتة الخاصة بأبيى بشكل فوري في اشارة الى التعجيل بتشكيل اللجان الإدارية والشرطية بما يعني رفضه ضمنيا ما تعتزم ان تقوم به دولة الجنوب بإجراء الاستفتاء فى أكتوبر دون ان توافق عليه حكومة السودان ، وهذا ربما أدهش دولة الجنوب التي (تعودت ) ان تجد المساندة في قراراتها من المجتمع الدولي ومجلس الأمن على وجه الخصوص.. تراجع حكومة الجنوب عن اعتزامها إجراء استفتاء أبيي بأمر من مجلس الأمن ربما يكون أولى الخطوات فى أن تسود أجواء إيجابية بين دولتي السودان في المرحلة المقبلة ، لان إصرار دولة الجنوب على اجراء الاستفتاء ربما يكون سببا مباشرا لتعكير صفو تلك الأجواء ، خاصة وان قضية دعم الجنوب للحركات المتمردة فيما يبدو تسير باتجاه الحل النهائي لأن الخطوات التي قام بها سلفا كير رئيس حكومة الجنوب بشأن تغيير بعض القيادات بحكومته تأتي في ذات الإطار لحل القضية، فهؤلاء هم من كانوا وراء دعم الحركات المسلحة وبإبعادهم يستطيع سلفا كير الالتزام بفك الارتباط بهذه الحركات وهي العقبة الكؤود التى تقف أمام تطور العلاقات بين دولتي السودان .. إذن فالأيام المقبلات نتوقع أن تشهد تطوراً ملحوظاً في علاقات الدولتين التي ربما ارتفع سقفها إلى جوار حميمي بين البلدين.