مع اقتراب إنفاذ قرار وزير المالية برفع الدعم عن المحروقات وتعديل سعر صرف الجنيه، بدأ خبراء المال يتبارون في توضيح الآثار المترتبة على القرار، ومنها ان الآثار ستنعكس سلباً على كل مناحي الحياة ومنها ارتفاع أسعار السلع، وقد بدأ هذا فعلاً عندما قام «اللبانة» بزيادة رطل اللبن خمسين قرشاً، واختفت من واجهات البقالات السلع القابلة للزيادة، وتكدست في المخازن جوالات السكر والدقيق والشاي، وقام أصحاب الحافلات بعدة مشاوير بين محطات الوقود ومنازلهم لتعبئة البراميل بالجاز والبنزين، واختفت أسطوانات الغاز، وأغلقت بعض الأفران أبوابها بعد «العجنة» الأولى وغير هذا الكثير والمثير الذي لا تعلمه اللجان الشعبية الغارقة في جباية رسوم شهادات السكن وحث المواطنين على دفع أتاوات النفايات المكدسة أمام المنازل ووسط الشوارع منذ كارثة الأمطار.. إن ما يقوله الخبراء عن زيادة الأسعار بعد رفع الدعم، قد يقود إلى احتجاجات شعبية ما لم يتزامن القرار مع معالجات لأوضاع الأسر الفقيرة التي يسحقها الغلاء، والتي اكتفت بوجبة واحدة في اليوم ولا بد من المحافظة عليها ولا نطالب بتحسينها، فقد سألت زوجتي إحدى سيدات حي الصحافة عن لماذا لا تراها في التعاون، وهو مجموعة من باعة اللحوم والبقالة والخضروات، فقالت لها نحن لسنا لدينا علاقة بالتعاون، نحن نعوس الكسرة ونضعها ساعة الغداء في صحن «باشري» مع الزيت والملح وفي اليوم التالي نستبدل الملح بالسكر وعندما تكون الطماطم رخيصة نخلط معها البصل والزيت وهي وجبة كاملة المعادن ويسميها الفقراء «كدو كريده» وتجعلنا نتناول الماء المثلج من ثلاجة الجيران طوال اليوم.. منذ أيام شاهدت عدداً من النسوة في موقف جاكسون يقفن أمام «بوكس» مشحون طماطم وكانت الواحدة منهن تأخذ القطعة أو اثنتين وعندما تسأل البائع عن السعر يقول لها الكيلو بخمسين شيلوه عشان «خاطرك بأربعين» فتضعها بهدوء وتنصرف، قلت لإحداها بالأربعين جنيه يمكنك شراء أربعين تفاحة من صاحب هذه الطبلية، قالت لي ساخرة عشان نهضم شنو ونحلي عشان شنو, أولادنا دايرين «كدو كريدة» عشان يشبعوا. في إحدى سنوات نميري عانى الناس من ارتفاع الاسعار، وذهب بنفسه لتفقد الاسواق متخفياً وراء عمامة تغطي ايضا وجهه، وفي سوق الخرطوم الشامل وقف بعد الفجر عند بائع عجور وسأله عن السعر، فقال له القطعة الكبيرة بقرشين والصغيرة قرش، وهنا استشاط النميري غضباً وقال «تتلاعبوا في قوت الشعب»، فأدرك البائع أنه امام النميري شخصية طاغية، خاصة عندما احاط ثلاثة من مرافقي الرئيس بالبائع، فتوكل على لله وقال له «ياخينا قوت شنو وشعب شنو قوت الشعب هناك محل السكاكين المرفوعة ديك وأشار إلى زنك اللحم وقوت الشعب هناك امام السواطير الممدودة ديك وأ شار إلى زنك السمك وأضاف ياخينا العجور ده موية ساكت لا بفركو ولا يبطخو».. نحن اليوم امام معادلة مختلفة فقد صارت الأغذية الرخيصة قوت الشعب وفي مقدمتها الطماطم والزيت والبصل، وهذه يمكن للجهات المعنية شراؤها في الحقل من المنتج وبيعها للجمهور بسعر التكلفة، وليس في هذا عجب فإن الشركات العالمية تشتري القطن وهو زهرة في حواشات مشروع الجزيرة.. الكناسين وليس الكنائس جاء في «ابعاد» أمس الاول الاثنين كلمة الكنائس بدلاً عن الكناسين ولذا لزم التصحيح والاعتذار عن هذا الخطأ.