وضعت الخرطوم جملة من الاشتراطات والخطوط الحمراء بشأن الدور الذي يجب أن يضطلع به دونالد بوث مبعوث الإدارة الأمريكية الجديد للسودان وجنوب السودان الذى أصدر البيت الأبيض بيانا بتعيينه الأسبوع الماضي.. وقالت وزارة الخارجية في تلخيص لتفاعلاتها حيال التعيين، إن لديها خارطة واضحة للتعامل مع المبعوث الأمريكي يمكن أن تسهم في المهمة المتعلقة بحل القضايا الخلافية بين دولتي السودان وجنوب السودان وأن الحكومة ستنظر في مهمة دونالد وأدائه؛ إن كان مهتماً بالعلاقات بين السودان والولاياتالمتحدة. ورأى علي أحمد كرتي وزير الخارجية في تصريح له، أن تعيين بوث جاء في أجواء غير إيجابية، وأن مهمته إذا تعارضت مع المهمة التي يضطلع بها الاتحاد الافريقي حاليا فيما يتعلق بقضايا الخلاف بين الخرطوموجوبا فإن الحكومة لن تقبل بهذا الدور ولن يجد بوث أي تعاون من قبلها في هذا الملف. وفي تقدير الحكومة أن دور المبعوث يجب أن لا يتجاوز الخطوط الحمراء فيما يلي علاقة الخرطوم مع جوبا؛ باعتبار أنها علاقات ثنائية بين الدولتين وشأن داخلي يخصهما وهما الأولى ببحثها معا بعيدا عن التدخلات، بجانب التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال وملف أبيي باعتبارها أيضا ملفات داخلية تخص السودان، وتتهم الخرطومواشنطن بأنها لعبت الدور الأكبر في إفساد علاقاتها مع جوبا قبل الانفصال. وتشير الوقائع إلى أن التدخلات الأمريكية ليست بعيدة عن المشهد فيما يلي القضايا الخلافية بين السودان وجنوب السودان، والسيناريوهات التي تجري لحلها وتخفيف حدتها، وآخرها القمة الأخيرة التي جمعت الرئيس عمر البشير مع نظيره سلفا كير ميارديت بالخرطوم والذي جاء تلبية لدعوة أمريكية أطلقها القائم بأعمال السفارة الأمريكية في الخرطوم أواخر يوليو الماضي. وسبق أن أعلنت الحكومة عبر بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية، ترحيبها بالمبعوث، غير أنها أرادت هذه المرة أن تبلغ واشنطن بأنها حددت خارطة واضحة المعالم للمبعوث؛ ترى انه من الضروري بمكان أن يلتزم بها حتى يجد المساندة والدعم من قبلها، خاصة وأن المهمة التي كان يضطلع بها كل المبعوثين السابقين فى السودان كانت تصب لصالح الولاياتالمتحدة، فالحكومة هذه المرة لم تستبق واشنطن في تحديد الأهداف كما يمكن أن يفهم باعتبار أن واشنطن بدورها حددت أهداف مبعوثها قبلا، لكنها أرادت توضح للإدارة الأمريكية أن السودان هو الآخر حدد خارطة طريق وأهداف معينة للمبعوث فيما يلي القضايا التي تخص علاقاتها مع الإدارة الأمريكية وعلاقات الخرطومبجوبا ، وأن هذه المرة لن تكون مثل سابقاتها. وتتمثل خارطة طريق الحكومة في أهمية التزام المبعوث بخارطة الطريق التي وضعها الاتحاد الافريقي عبر الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثابو امبيكي، وألا يتجاوز في تحركاته الأطر التي اشتملت عليها الخارطة الأفريقية، وأن ينأى بنفسه عن أي تدخلات من قبله بإقحام موضوعات وقضايا ليست لها علاقة بالمهمة التي تقوم بها الالية الأفريقية - كمحاولات امريكية سابقة حول كيف يحكم السودان وتشكيل حكومة قومية وخلافه من قضايا داخلية تخص السودان ولا يحق للإدارة الأمريكية التدخل فيها-، وأن يسعى إن أراد دعم موقف الوساطة الافريقية بالضغط على الأطراف التي ما زالت تسعى لعرقلة الجهود المبذولة للتسوية الشاملة. وترى الخرطوم في خارطتها التي أعدتها لمواجهة المبعوث أن مهمته الاكبر ينبغي ان تنصب في الإسهام بقوة في إصلاح العلاقات الثنائية بين بلاده والسودان. وظلت الحكومة تتهم الإدارة الأمريكية بأنها بسبب سوء علاقاتها مع الخرطوم ظلت تمثل خميرة عكننة في مسار العلاقات بينها وجوبا وتعرقل خطوات تقدمها للأمام ، بل ان واشنطن ظلت تجدد عاما بعد عام بقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب وتصر على إبقاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه بالرغم من التعاون الكبير الذي أبداه السودان مع الإدارة الامريكية، خاصة في مجال مكافحة الارهاب وكل مطلوبات السلام من توقيع اتفاق السلام الشامل والاعتراف بدولة الجنوب وكل الخطوات التي تمت في ملف الحل لقضية دارفور، غير أن الادارة الامريكية ظلت محلك سر ولم تف بما سبق ووعدت والتزمت به. ويقول السفير رحمة الله محمد وكيل وزارة الخارجية في حديث ل (الرأي العام)، إن الخرطوم تريد من خلال خارطة الطريق التي وضعتها للتعامل مع المبعوث إرساء قاعدة جديدة وجيدة للتعامل مع مبعوثي البيت الأبيض؛ خلافا للتعاملات السابقة، ترتكز بشكل اساسي على قضايا الشأن الثنائي بين الخرطوم و واشنطن وصولا بها الى خاتمة المطاف، ويرى ان العلاقات بين الخرطوموجوبا والتي تسعى الولاياتالمتحدة دائما لوضعها هدفا اساسيا لمبعوثيها أصبحت - بعد الزيارة الأخيرة للرئيس سلفا كير والنجاحات الكبيرة التي حققتها - سالكة بين البلدين على المستوى الثنائي، وليست في حاجة لتدخل المبعوث، ومن الاوفق ان يرتكز دور دونالد في تشكيله لقناة دبلوماسية موازية تعضد الدور الدبلوماسي الذي تقوم به سفارة بلاده في الخرطوم توطئة لخلق علاقات جيدة بين السودان والولاياتالمتحدة بدلا عن اختزال دوره في العلاقات بين الخرطوموجوبا. ويبدو أن المكاسب التي حققها السودان في الزيارة الاخيرة لرئيس دولة الجنوب، وفرت له فرصة تاريخية لوضع منهج استراتيجي يمكن توظيفه لصالح تحسين العلاقات مع الادارة الامريكية طالما أنها ظلت تبدي حرصها على إصلاح علاقات السودان مع دولة الجنوب، اضافة إلى ذلك فان تعيين المبعوث الامريكي هذه المرة - وهو الخبير في الشأن الدبلوماسي - جاء خلافا للتعيينات السابقة المفروضة من قبل مجموعات الضغط الامريكية، مما يوفر فرصة للسودان لوضع الانشغالات المشتركة على طاولة البحث مع مبعوث ايجابي؛ بما فيها الضغوط الاقتصادية، خاصة وان واشنطن ظلت طوال الفترة الماضية تفشل مخرجات المؤتمرات الاقتصادية التي عقدت في عدة دول أوروبية بشأن الأوضاع الاقتصادية في السودان لأسباب سياسية. على كلٍ ، الخرطوم هيأت نفسها هذه المرة للقاء المبعوث الامريكي بخارطة طريق مسنودة بعلاقات جيدة وتفاهمات واعدة مع جوبا، وأن مهمة المبعوث ستتركز في امكانية تحريك ملف العلاقات الثنائية الجامدة بين بلاده والسودان للامام، وإذا نجح في ذلك وفقا لتوجه الخرطوم الجديد ؛ فإنه يكون قد أصاب قدرا كبيرا من النجاح في مهمته.