تعتبر وزارة التعاون الدولي وزارة وليدة عهد ضمن وزارات قامت عقب إتفاقية السلام في العام 2005م، حيث تكونت بعد مخاض متعثر، جمعت إدارات عديدة لتقوية علاقات السودان مع دول العالم سنداً لوزارة الخارجية، وتحريك لبرامج الدعم والعون المالي والاقتصادي والفني للسودان، الذي وعدت به الدول المانحة والراعية لاتفاقية السلام، وقامت الوزارة في آخر ايامها بتوقيع إتفاقيات مع أكثر من (18) منظمة دولية من منظمات الأممالمتحدة الرئيسية، واتجهت الخطة الإستراتيجية للتعاون الدولي بشأن العون الخارجي الى الانتقال من الإعانات للتعافي ثم التنمية، بجانب أن وزارة التعاون الدولي كانت ضمن أذرع إنفاذ البرنامج الثلاثي.. ولكن سياسات التقشف وتخفيض الإنفاق الحكومي تضمنت الغاء بعض الوزارات وأجهزة حكومية كأحد العلاج ب(الكي)، وشمل ذلك الغاء وزارة التعاون الدولي بعد ان دخلت الوزارة مرحلة الإنطلاق، ليتعطل (الدينمو المحرك) الذي بدوره أثر إن لم يكن أوقف عددا من البرامج والمشروعات، كما غابت الجهة المركزية التي تقوم بمهام التعاون الدولي بشكل متكامل. يقول السفير محيي الدين سالم مدير إدارة الشئون القنصلية والوكيل الأخير لوزارة التعاون الدولي إن إلغاء (وزارة التعاون الدولي ) أحد الحسرات بعد جهد كبير تم من خلاله توقيع إتفاقية في عمر أيام الوزارة الأخيرة مع أكثر من (18) منظمة دولية من منظمات الأممالمتحدة الرئيسية، والتي اعتبرتها الأممالمتحدة إتفاقية أنموذجا ومثال سيحتذى به مع الدول الأخرى، واضاف سالم : بعد كل هذه الجهود التي بذلت من قبل وزارة التعاون الدولي نفاجأ بإلغاء الوزارة، وأشار سالم الى أن التعاون الدولي منذ حل الوزارة ظل (يتيما)، وليست هنالك جهة واحدة بامكانها تشغيل (ماكينة) عمل التعاون الدولي غير الوزارة المعنية به، مشيراً الى أن الخطة الإستراتيجية للتعاون الدولي بشأن العون الخارجي كانت تتجه الى الانتقال من الإعانات للتعافي ثم التنمية، وقد تم تنسيق العون الخارجي حتى يذهب عبر( أيقونات) مباشرة ليعود على المشروعات المطروحة بالتنسيق بين الولايات والإدارة المعنية بالعمل معها، موضحا أن احدى المشكلات التي تواجه السودان هي عدم التنسيق، اضافة الى أن وزارة التعاون الدولي كانت ضمن أذرع إنفاذ البرنامج الثلاثي، وبعد حلها فقدنا كوادر مهمة تم تدريبها بصورة متخصصة لكن كل هذه الجهود للأسف ضاعت. ونادى سالم بعودة التعاون الدولي والاستفادة منه كجسم واحد لتنسيق العمل بين السودان والدول الأخرى، واكد ان إعادة الوزارة على ما كانت عليه سيحتاج الى بذل جهود كبيرة جدا،ً مشيراً الى أنه ليست هنالك مشكلة في عودتها كمجلس أو وكالة دون رجوعها كوزارة، وتابع: لكن الأهم أن يكون هذا الجسم متكاملاً، وأشار الى أن هنالك جوانب كثيرة تتم الاستفادة منها عبر المنظمات الإقليمية، من ضمنها بناء القدرات والعون الفني الذي فقده السودان كما أنه يحمل على الميزانية تكاليف كبيرة لإلغاء هذا الجسم وهو غير متسق مع تخفيض الإنفاق الحكومي . وفي و وصف د. أحمد مالك مدير عام إدارة التخطيط والبحوث بوزارة التعاون الدولي ، إلغاء وزارة التعاون الدولي بالقضية المرعبة، حيث تم ترحيل عدد من الملفات الى وزارة الخارجية، وجاء رد الخارجية بأن مجال اختصاصها العمل السياسي والدبلوماسي، أما العمل الاقتصادي والإستثماري والفني فانه ليس مجال عملها، والآن هنالك مأساة حقيقية بتحويل الملف الى وزارة المالية التي ليس من اختصاصها لإنها مختصة بجمع الإيرادات فقط ، واضاف: لا توجد جهة مركزية للقيام بمهام التعاون الدولي، وفي حال وجود عمل مع دولة أخرى (ينادوهم بالنفير العام)، واصفاً الوضع الحالي بالمخل ويؤثر على الاقتصاد الكلي خاصة وأن العمل الاقتصادي بالعالم أصبح مهنيا وفنيا وليس مناصب وترضيات، مشيراً الى أن الإستثمار بالسودان ضائع وكذلك التعاون الدولي، مبينا أن هذا الضياع أحد أسباب الانهيار الاقتصادي مما حدا بالحكومة على البحث عن بدائل والتي وصفها بالمدمرة، من ضمنها رفع الدعم عن المحروقات، وأكد مالك بأنه تم رفع مذكرة بهذا الخطر لمجلس الوزراء وقرر إرجاع التعاون الدولي لكن وزارة المالية احتجت على إرجاع الوزارة الامر الذي سيسحب العمل ويدمرها، كما أن النائب الأول علق على قرار مجلس الوزراء، بل تم تجميد الملف ، وأضاف: هذه احدى المشاكل الموجودة بالسودان، فأي وزير يتعامل كإمبراطورية ولا يراعي قرارات مجلس الوزراء ويبحث عن مصالحه الخاصة، وتضيع مصالح البلاد ، وأشار الى أن التعاون الثنائي مبني على هذه اللجان (الرئاسية و الوزارية و الثنائية) و يكاد يكون العمل الخارجي الأساسي في المجالات الاقتصادية، لكن حتى على مستوى العلاقات السياسية كانت كل الإدارات موجودة، مؤكداً بأنه تم تنظيم عدد من المؤتمرات لتقييم عمل اللجان، وقال إن الوزارة حركت كل أجهزة الدولة و عبر التعاون الثنائي والذي أحكم التنسيق بين الولايات والوزارات المختلفة مع رصيفاتها بالدول الأخرى، مشيراً الى أن السودان وصل الى أن يكون ثالث دولة في الإستثمار بعد تحريك ملف العلاقات الدولية وتطويرها. وأقر د. مالك بأن إلغاء وزارة التعاون أثر بشكل كبير على تدفق العون الخارخي ، إذ أن هنالك عددا من الملفات لا توجد إدارة أو وزارة مسؤولة عنها، لذلك تحاول بعض الوزارات تحريك ملفاتها مع الدول الأخرى بصورة فردية ، وقال هنالك عدد من الجهات الخارجية ترتب لعقد لجنة وزارية أو اجتماع لكن ليست هنالك جهة فنية تنسق للعمل فاللجان الفنية في المجالات التجارية والصناعية والإستثمارية ضاعت لأنه تم حلها مع إلغاء الوزارة ، والعديد من الوكالات الدولية لا تعرف الى أين تتجه، وتابع: على أقل شئ من المفترض تكون هنالك وكالة للتعاون الدولي. وفي ذات السياق أكد البروفيسور آدم مهدي مستشار وزارة التعاون الدولي السابق أنه من الخطأ إلغاء الوزارة حتى دون مبررات ونقل إداراتها الى وزارات أخرى فلا يوجد متضرر من إيقاف الوزارة من العاملين، لكن الضرر الأكبر يقع على البلاد خاصة بعد ان توصلت الوزارة الى عدد كبير من منظمات الدول (الجايكا، اليونيسيف) واستقطاب دعم لمشروعات بعض المناطق في الولايات واضاف : تمت (جهجهة وبعثرة ) الجهود التي بنيت في سنوات، مؤكداً بأن الوزارة هي التي تطرح متطلبات واحتياجات الوزارات والولايات عبر التنسيق مع الإدارات الثنائية والتي تربط السودان بالدول الأخرى في الإتفاقيات الثنائية لأن الدول التي تتفاوض مع وزارة التعاون الدولي تدفع بمتخصصين للتفاوض، كما أن وحدة العون الخارجي للتعاون الدولي ربطت السودان إقليمياً ودولياً بصورة جيدة من خلال الوزارة، واصفاً العمل آنذاك بالسلسل والمتناغم ، لكن الآن تم دفع العاملين الى تخصصات غير تخصصاتهم في وزارات أخرى بعد أن اكتسبوا خبرات في التفاوض بهذه المجالات، مشيراً الى أن كل دول العالم لديها وزارات تقوم بمهام التعاون الدولي .