الخبر الذى حمل البعض- صبيحة الخميس الماضى - للشعور بشئ من الإرتياح فيما يبدو، هو أن المفوضية القومية للإنتخابات، تخلت، وبعد ضغط خفيف من بعض القوى السياسية، عن شرط استخراج شهادة حسن السير والسلوك للمترشحين لإنتخابات رئيس الجمهورية ورئيس حكومة جنوب السودان وولاة الولايات. -------- مصدر الخبر، كان الدكتور مختار الأصم عضو المفوضية، والخبير فى مجال الإنتخابات.. تحدث (الرأي العام) إلى الأصم الذى ضحك على نحو مقتضب قبل أن يقول فى معرض رده على تساؤل لا يخلو من إستدراج: (يمكن، ولكن عليه أن يأتى ب(15) ألف مزكٍ)، وأما التساؤل حينها فكان مفاده، أو بالأحرى نصه يقول: ألا تعتقد أن تسهيل كهذا، من شأنه أن يغرى بعض (المعتوهين) بالتجاسر وطرح أنفسهم كمرشحين للرئاسة بعد أن طرحتهم منتديات السمر التى تتناقل هذه الأيام طرفة تقول، إن أحدهم ذهب ليرشح نفسه، وعندما رآه مسؤول التسجيل الذى كان يعرفه جيداً قبلاً، صرخ فى وجهه: هل أنت مجنون؟ فقال له: (ليه وهل هذا شرط ضرورى)؟! الحيثيات التى إستندت إليها المفوضية فى التخلي عن شرط استخراج شهادة السجل الجنائى أو حسن السير والسلوك حسب حديث الأصم ل(الرأي العام) هو أن القرار جاء مراعاة لظروف متعلقة بصعوبات تواجه المترشحين خاصة في المناطق البعيدة، وأشار إلى أن القرار لا علاقه له بقانون الانتخابات الذى يقول يجوز للمفوضية أن تطلب أىة شهادات ثبوتية أخرى، ومن هنا جاء التفكير فى هذه المسألة. وكانت بعض القوى السياسية قد أعلنت إعتراضها فى هذا الجانب، وقال الناطق باسم تحالف احزاب الوفاق الوطنى ( قوى جوبا) فاروق ابو عيسى إنهم سيتقدمون بطعن الى مفوضية الانتخابات ضد احضار السجل الجنائى، معتبرا ذلك من الشروط التعجيزية. وعزا الأصم، تخليهم فى المفوضية عن شهادة التسجيل إلى إستحالة تطبيقها على حد قوله، ومبعث الإستحالة فى ذلك أن شهادة حسن السير والسلوك يتم إستخراجها مركزياً، وبالتالى فإن أى مرشح سواء قدم من ملكال أو برام أو كتم أو النيل الأزرق، فإن عليه أن يأتى إلى الخرطوم لإستخراج شهادة حسن السير والسلوك، وهو الأمر الذى يبدو، حسب المفوضية وعضوها الأصم، غير عملي. فى وقت تنظر فيه الشرطة للأمر من زاوية مغايرة، إذ ترى أمر إستخراج شهادة حسن السير والسلوك لا تأخذ وقتاً رغم مركزية إستخراجها. وفصلت المفوضية، على ضوء قانون الإنتخابات والمادة (37) من الدستور، أهلية الترشح لمناصب، رئيس الجمهورية، رئيس حكومة الجنوب، والولاة، وعضوية المجالس التشريعية من الدوائر الجغرافية والقوائم الحزبية وقوائم المرأة لإنتخابات المجلس الوطني ومجلس تشريعي جنوب السودان، فصلتها بأن يكون الشخص سودانياً بالميلاد، سليم العقل، لا يقل عمره عن أربعين عاما، يكون ملماً بالقراءة والكتابة، إضافة إلى أن لا يكون قد أدين في جريمة تتعلق بالأمانة أو الفساد الأخلاقي. وهذه الاخيرة، ألا يكون الشخص قد أدين في جريمة تتعلق بالشرف أو الأمانة أو الفساد الأخلاقي، إذا قرأناها مع بند قانون الإنتخابات الذى يجوّز للمفوضية طلب أى إثباتات تراها مناسبة للمؤهلات المنصوص عليها، يمكننا التعرف على من أين جاء الحديث عن طلب وإلغاء شهادة حسن السير والسلوك رغم حديث البعض عن أنها لم تفرض فى الأساس حتى تلغى لأنها ليست جزءاً من القانون. شهادة حسن السير والسلوك يتم إصدارها عادة لطالبى الإلتحاق بالوظائف، ففى أغلب المهن، تتم المطالبة بعمل فحص جنائى للتأكد من أن الشخص المتقدم ليس لديه سجل جرائمى، فإرتكاب الجرائم الكبيرة التى تمس الشرف والأمانة، يقف عائقاً يحول دون إلتحاقه بوظيفة معينة. وعلى خلفية ذاك، يرى اللواء شرطة أحمد إمام التهامى رئيس اللجنة العليا لتأمين الإنتخابات أن من باب أولى أن يستخرج هذه الشهادة التى تعرف ب(الفيش) من يود أن يرشح نفسه إنابة عن الناس ليكون فى موضع مسؤولية عامة تنفيذية أو تشريعية، وبرأيه كذلك، فإن المعرفة الظاهرية ليست كافية ولابد من إستخراج شهادة حسن السير والسلوك التى تكشف فى أحايين كثيرة عن أشياء خافية ومخيفة. ويربط البعض، بين شهادة حسن السير والسلوك، وتلك الشهادة التى يطالب بها المعاشيون لإثبات أنهم أحياء. فشرط أن يكون المرشح غير مدان فى جريمة تخل بالشرف والأمانة والأخلاق لا خلاف حوله، وإنما الخلاف فى أن يطلب من المرشحين أن يأتوا بشهادات حسن سير وسلوك تؤكد أنهم غير متهمين، وكأن الأصل فى الشخص الاتهام، وهو الأمر الذى يشير إلى شئ من الغرابة فى هذا الإشتراط - بحسب بعض المراقبين- لأن الأصل فى الناس، أنهم غير متهمين. لكن للواء التهامى رأياً آخر فيما يبدو، فبعد أن أشار إبتداءً إلى أن هذا الأمر يخص المفوضية، وينظمه قانون الإنتخابات، قال ل (الرأي العام) صحيح أن سلطة إستخراج شهادات السجل الجنائى (الفيش) مازالت مركزية، إلا أن أخذ العينات يتم فى أية منطقة أو ولاية من السودان، وترسل ليتم فحصها مركزياً، فهناك لجان مركزية وفرعية تعمل فى هذا الجانب على وجه السرعة ولا تستغرق زمناً كما يقولون. وتابع رئيس اللجنة الشرطية العليا لتأمين الإنتخابات: نحن لا نريد أن نلزم مفوضية الإنتخابات، ولكن نقول إن الشخص الذى يريد أن يتحمل الأمانة نيابة عن الشعب لابد أن يكون على الأقل خالىاً من أى سوابق جنائية. وقال التهامى إن النص الدستورى والقانونى لأهلية المرشح على إن لا يكون قد أدين في جريمة تتعلق بالأمانة والشرف والفساد الأخلاقي لا يمكن التأكد منها إلا بالفيش، فمثل هذه المسائل برأيه لا تعرف بأحاديث الناس الإيجابية عن الشخص، أحاديث قد يتفاجأون معها لاحقاً أن لمرشحهم، سجلاً من السوابق الجنائية، وزاد، الفيش مسألة مهمة جداً، فأحياناً يكون الشخص (مفيشاً) ولا علم حتى لأسرته الصغيرة بذلك فكيف الحال بالنسبة للناخبين؟ ومهما يكن من أمر، فإن الفيش، وعلى أهميته، يبدو غير مألوف إجراؤه على المرشحين ، فتجارب البلاد الإنتخابية السابقة تخلو منه، فمن الناحية النظرية يمكن بعد التخلى عنه للمرشحين، أن ينسرب أحدهم لبعض الوقت، لكن مثل هذا النوع من المرشحين، لا يمكن أن يصمد طويلاً أمام الطعون التى بدأ البعض فى رصدها بشهية مفتوحة لا يدانيها سوى شهية البعض فى الترشح رغم قناعته المركوزة بأنه لن يفوز.