اثناء اعدادي لكتابي (الرقراق) الذي ربما يكون الان بالمكتبات كنت اتجول في اروقة مطابع العملة بالخرطوم غرب ..هذا المبني يشبه سجن غوانتانمو من الخارج اذ به ابراج عالية و لابوابه مزاليج تصم المناديا و امامها حرص شديد و شهبا. اما من الداخل فالحال مختلف تماما اذ الناس ما بين غاد ورائح يقابلونك بابتسامات سريعة كيلا يعطلوك او يعطلوا انفسهم.. جلست الي جوار رئيس احد الاقسام نناقش حجم الكتاب ولون الغلاف فدنا منا شاب خلوق يحمل ورقة و قلما و قال : نعم يا جماعة؟؟ لم افهم شيئا و سالت مضيفي : الزول دا عاوز شنو؟؟؟فقال انه يكتب نوع الافطار الذي يريده الشخص و كذلك الحاجة الباردة ثم ياتيك به ....ارتحت شديد لهذه الديمقراطية و قلت له انا احب كل الكائنات البحرية و لو اتيت بسلحفاة لما رددتك وبالعدم هات سمك كويس؟؟؟ انتهزت انشغال مضيفي بشاشة حاسوبه فصرت اختلس النظر الي الحضور فربما اعثر علي احد الاقرباء او المعارف و بالفعل شاهدت رجلا ضرب الشيب فوديه و لهازمه الا انه ناضر مليئ بالحيوية و ملامحه ليست غريبة عليّ....في تلك اللحظة رفع راسه و اندفع نحوي مصافحا و مستفسرا : انت حي ؟ وينك يا زول و ماذا فعل بك الدهر؟؟؟لقد مضت فترة زمنية واسعة منذ تخرجنا من الجامعة حيث قضينا اروع ايامنا مع الادب و التنقيب في ماضي الامم مستعينين علي ذلك بافخر انواع الغذاء و العناية المكثفة التي كانت تمنحنا اياها الدولة هذا بالاضافة الي الوجوه المشرقة التي الهمت المبدعين سياسة و شعرا ....سالته ان كان لا زال يقرض الشعر الذي اطرب طالبات الجامعة وقتئذ ، فمد لي ديوانا من الشعر و اثناء تصفحي اياه استوقفتني احدي القصائد التي تتحدث عن اشياء اليفة الي نفسي فانا من ذات المنطقة الجغرافية التي تمارس ذات الشعائر و الطقوس في منحني النيل تسال قلت من وين نحن؟ من بلدا بعيد بلحيل قبل ما الدنيا تتزلّط و تتسفّلت كنا نشيل زوادتنا و علي ضهر اللواري نقوم وكان ختت العوارض كنا تالت يوم ندخل الحلة في بلدا هناك بعيد مكاناً فيه تلقي النيل اخد وقفة واخد لفة و فكّر انو يرجع تاني ثم ياتي الشاعر علي اخر تلك الملحمة ذاكرا التهميش الذي كابدته الشمالية منذ عهد الملك كاشتا 550 ق.م لا شابا يوم كتبلو قصيدة في جرنال لا صوت زول من اولادنا بيغلط يوم يجيبو الرادي زي غيرنا و لا الشاشة التجيب الناس صغار و كبار جابت يوم صورنا هناك كان في مدحة او في ونسة او في غير ميلاد ناسنا غير معلن سفرنا و همنا و افراحنا كلها في ظلام الليل لماذا صمتّ كل هذا الزمن يا صديقي عبد العظيم سيد احمد و لماذا تخفي شعرك الرصين هذا مثلما يخفي الاخرون سوءاتهم؟؟؟ انك بليغ فتيق اللسان تفوح من صدرك رائحة ثورة تليدة تفور و تهدا حسب التساهيل..هل تذكر حادثة (ابو حمد) وتعميما للفائدة اقول لكم انه و في منتصف السبعينات ساد جامعة الخرطوم شغب سبب الكثير من المصائب و المحن للدولة و للطلاب فاغلقت الجامعة و مدتنا بتذاكر القطار الذي توجهنا به شمالا. كان الوقت خريفا و عند محطة ابي حمد وقف القطار لان السيول جرفت القضبان و مكثنا يومين نضب فيهما ما معنا من صبر و زاد فابرق السيد ابو القاسم محمد ابراهيم وزير النقل وقتئذ رئاسة مجلس بلدي أبي حمد و كلفهم بان يخبروا اصحاب المطاعم هناك بتزويد كل من يحمل بطاقة طالب بالاكل مجانا...دخلت و معي صديقي فتيحابي احد المطاعم و مددنا له بطاقاتنا علي استحياء ،فنظر الينا الرجل في استنكار و قال : يا اولادي علي الطلاق تاكلوا مجانا بدون بطاقات وكان عندكم ناس جيبوهم واعرفو انو وزيركم دا ضكران لكن ما ارجل مننا !!!!