ونواصل ما مضى فاقول: لعل من اكبر المظالم التي لحقت بالمرأة السودانية الواعية. المولعة بالمعرفة بأية درجة من درجاتها هو ذلك الطقس الذي دثر انشطتها لقرون خلت. لقد أخفيت عن وعي الأجيال اللاحقة آثارها ومعالم ابداعها واجتهاداتها في محيط عطائها الإنساني برمته فافتقدنا بصماتها الابداعية القديمة حتى نشأ الظن لدى البعض بأن السودان لم يتح له ان ينجب ربات فكر ومعرفة وفقه.. ومبتدعات أدب ومعارف أو حتى واعظات في الدين الإسلامي الحنيف الذي كانت تسود ثقافته الاصقاع الواسعة والبقاع الكثيرة، هذا فضلاً عن عاشقات الثقافة ذائعات الصيت اللائي كان يتغلغل أثرهن فيمن أحاط بهن على الأخص في مرحلة السلطنة الزرقاء وبعد إنهيار مملكة سوبا. هناك بصيص ضوء ضئيل طفر إلى قلب الظلام الدامس كشف ملامح باهتة متنائية عبر أزمنة وامكنة متقاطعة غير متواصلة. هذا البصيص الضئىل نجد شيئاً منه في طبقات ود ضيف الله حيث جاءت الإشارات عابرة إلى سيدات أحاطت بهن هالة من الشهرة لما تميزن به من تفقه في الدين حتى أضحى في مقدورهن إصدار الفتيا الفقهية أو التدريس من وراء حجاب أو إبداء الرأي في قضايا حياة الناس، أو بتملكهن سلطة الأمر والنهي في محيطهن الإجتماعي المحدود. صاحب الطبقات لم يحفل كثيراً بهؤلاء النسوة المتميزات كثيراً ولم يقف عند إحداهن ليحكي لنا شيئاً عن خبرها وسيرتها كاملة ويبدو ان طبيعة تأليف الكتاب قد أجبرت المؤلف على هذا الإغفال إذا اقتصر في مجمله على ذكر مشاهير «الاولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان».. اكثر اهتمام «صاحب الطبقات» في محيط المرأة إنصب في الاخبار عن زواجها من أحد الشيوخ المتصوفة أو الأمومة لعارف مشهورا. نقول ان ود ضيف الله لم يحك لنا شىئاً عن سيرة إحدى المثقفات أو القاضيات أو القضايا التي عالجنها أو الكيفية التي تعاملن بها مع مجتمعهن ولا حتى النهج الذي اتبعته المرأة في تثقيف ذاتها وتعلمها في ذلك الزمان البعيد «السلطنة الزرقاء وما قبلها». حاولنا رصد تلك الوقفات العابرة التي وقفها ود ضيف الله «محمد النور بن ضيف الله» ازاء بعض نساء ذلك العصر. ومن ذلك: * يجئ في نص الطبقات الذي تغلب عليه العامية وعدم الالتزام بقواعد النحو: «أولاد جابر الاربعة «هكذا» كالطباع الأربعة أعلمهم إبراهيم واصلحهم عبد الرحمن واورعهم إسماعيل واعبدهم عبد الرحيم واختهم فاطمة.. ام الشيخ صغيرون نظير في العلم والدين «ربما أرد أنها بلا نظير في العلم والدين». ص64» طبعة «5891م» وهذا كل ما يخبرنا به عن الشيخة فاطمة هذه. ويتحدث عن حمد بن محمد بن علي المشيخي أحد الأولياء في ذلك الزمان ليقول عنه «ود ضيف الله» - هو المشتهر عند الناس بامه مريم- أمها محسية مشرفية من بنات ولد قدال الولي وأبوها ولد كشيب من أولياء ابو نجيلة الذين تزار قبورهم.