تعاقب على وزارة المالية في تاريخها الذي تجاوز أكثر من نصف قرن من الزمان (28) وزيراً فيما تقلد منصب الوكيل (18) وكيلاً تفاوت مابين الوكيل والوكيل الأول.. وإذا كانت وزارة المالية في فترة ما قبل1996م لديها أربعة وكلاء.. وكيل ديوان الحسابات وكيل التخطيط وكيل الاقتصاد ثم وكيل المالية وكلهم تابعين هيكلياً الى وزير المالية ثم تعدل الهيكل ودمج التخطيط والاقتصاد مع الاحتفاظ بالحسابات كإدارة عامة ونشأت إدارات أخرى كالتنمية لتقوم مقام التخطيط فيما يلي انفاذ المشروعات الممولة من الخزينة العامة او المشروعات المرتبطة بالقروض من الصناديق بضمان سدادها من وزارة المالية، وأصبح للمالية وكيل واحد وبذلك أصبح المنصب التنفيذي الأول للاقتصاد السوداني . هذه التقدمة توضح جوانب مهمة عن مهمة وكيل وزارة المالية عبر عصورها وتوضح حقيقة أخرى في أن تغيير وكيل الوزارة ليس( بدعة ) بغض النظر عن ادعاء اى تداعيات باعتبار أنه ليست هناك مشكلة استدعت التعديل وإلاّ كانت المشكلة قد ظهرت قبلاً إلاّ أن ما يهم القاريء الكريم ليس الأسماء بل الأفعال فيما يليه ومن سياسات تلي معاشه وتلي مستقبل السودان الاقتصادي الذي هو مستقبل شعبه وعلاقة ذلك بالإعلام ومدى تأثيره به من حيث علاقة الخلف بالسلف . الشيخ المك خريج اقتصاد جامعة الخرطوم بمرتبة الشرف والذي بدأ حياته العملية عميداً في الجامعة لأشهر قبل ان يلتحق بوزارة المالية موظفاً في الدرجة التاسعة وتدرج بها حتى منصب الوكيل أشتهر في حياته الدراسية بالنبوغ العلمي حيث انه من أوائل الشهادة السودانية وله أوراق عمل علمية تدرس في الجامعات أميز ما يميزه ابن بلد محبوب وحبوب وبسيط وتلقائي نشط وكثير الحركة . خلفه الدكتور الطيب ابو قناية هو ايضاً أستاذ في الاقتصاد وخريج جامعة الخرطوم حصل على الماجستير والزمالة عمل بالقطاع العام والخاص كان مديراً للشئون المالية برئاسة الجمهورية ثم عمل نائب المدير العام لمطابع السودان للعملة ثم مديراً لإدارة المراجعة الداخلية الذي عقد لها أول مؤتمر عام واسهم في إعداد قانون خاص بها يتوقع أن يرى النور قريباً وتمكن من أمر ضبط المال العام للدرجة التي أعلن فيها ضمن توصيات المؤتمر أن يكون العام 2008م خالياً من الفساد المالي وذلك عبر إجازة القانون الذي ينص على توفير الحصانة للمراجع الداخلي وتوسيع دائرتها - المراجعة الداخلية - لتشمل كافة الوحدات الحكومية في المركز والولايات وتوسيع سلطاتها الأمر الذي يؤدي الى انضباط المال الذي يحكم التوسع في النشاط الاقتصادي ويحكم تغيير مستويات الحكم حيث أصبحت سلطات تحصيل المال العام وإنفاقه ليست مسئولية وزارة المالية وحدها فهناك رسوم وضرائب ولائية وهناك مؤسسات ذات قوانيين خاصة لذلك كان لابد من جهاز موحد لمتابعة المال العام الذي يذهب الى مستويات الحكم المختلفة وقد نجح مؤتمر المراجعة الداخلية نجاحاً باهراً حيث انه اعتمد المنهجية العلمية. نعود الى تعديلات وكلاء وزارة المالية.. فتعديل وكيل المالية لا يعني تعديل الموازنة وعلى مر عهود وزارة المالية منذ العام 1990 لم تتعدل السياسات الاقتصادية بتغيير الوزراء ولم تتعدل الموازنة بتبديل الوكلاء، ولكن اصدق تعبير قاله وزير المالية الحالي الزبير احمد الحسن حول عمله كوزير وعلاقته بوزراء المالية السابقين فقال ان السياسة الاقتصادية هى السياسة ولكن لكل شيخ طريقته ومن المؤكد أن لشيخ المك طريقته لانفاذ الموازنة ولكن الموازنة ستنفذ بذات البنود المجازة ولكن على طريقة د. ابوقناية واذا كان لكل شيخ طريقة ووسيلة لعبادة الله الواحد الاحد فلكل وزير طريقة فى تنفيذ ذات السياسات والبرامج. السمة المميزة لوكلاء او وزراء المالية ممن طالتهم التغييرات السياسية او مطلوبات المراحل المختلفة لم يحدث أن خرج وزير او وكيل بسبب مشكل اقتصادي او سياسي بل انهم يشعرون بالعرفان والجميل ذلك ان تدافع الاجيال الاقتصادية كان ديدن عمل هؤلاء على اختلاف رؤاهم وطرقهم ومسلكهم فى العمل، ولعل المشكل الاقتصادي هو الذي كان يحدد الطريقة التى يتعامل بها المسئول فى تسيير دولاب الحركة الاقتصادية. ومن حيث المنهجية العلمية فالاقتصاد هو علم البدائل ولكل مرحلة ظروفها المختلفة فمثلاً الاستاذ عبد الرحيم حمدي استهدف تحريك الاقتصاد وعبد الوهاب عثمان استهدف خفض التضخم ومحمد خير الزبير عمد الى اعادة علاقات السودان الاقتصادية، فيما توسع عبد الرحيم حمدي فى فترته الثانية فى توليد الموارد ودفع عجلة الاستثمار ثم اجتهد وزير المالية الحالي فى أن يخرج السودان من منظومة الدول الاقل نمواً.. لعل العام 2004م فيما حققه من فوائض مالية وتوسيع التنمية الولائية كان خير دليل إلاّ أن تفاهمات السلام وظهور مشكلة دارفور ألقت بظلالها على الموارد الاتحادية فكانت قسمة الموارد بين المركز والاطراف والجنوب حدت من الموارد المركزية فيما اسهمت التنمية بصورة غير مباشرة فى الاستقرار السكاني او على الاقل الحد من الهجرة الى المدن وذلك بملاحظة التوسع السريع فى العاصمة الذى كان واضحاً خلال العشرة اعوام الماضية . مطلوبات المرحلة الحالية قد تكون مختلفة وان إتفقت فى ثوابت الالتزامات الكبيرة التى تواجه الموازنة العامة واعمال النظم الجديدة فى الشفافية بحسب النظام العالمي الذى صممت عليه موازنة هذا العام . على كل يبقى التعديل فى المناصب هو سمة عامة تأتي فى الاطار الطبيعي وقد تدخل ضمن كل مرحلة رجالها ويبقى المك علماً اينما وضع فيما حملت المسئولية من بعده قامة سامقة عرف عنه الجلد والصبر والحزم والعزم والتوكل بحسب روايه من عرفوه .