(الحوّامة) صفة تلتصق بمن تكثر الخروج من بيتها، وتعرّف المرأة الحوّامة بأنها مجاملة من الطراز الأول لا تفوتها مناسبة دون أن تسجل فيها حضورا وتنشط للمجاملات في الحلوة والمرّة .. وعموما لا تعتبر الحوامة صفة سالبة في كل الأحوال فلها مزايا لا ينكرها إلا جاحد، فهي على سبيل ضرب المثل وليس الحصر: تساعد على خفة ورشاقة من تتصف بها لكثرة حركتها والمشاوير التي تقطعها، كذلك تقي كثرة الحوامة من أمراض الكسل والنوم وتبعدك عن شيل الهموم، كما تنتفي عن الحوّامة تهمة الخمالة. انتقلت أمي من كنف (جدي) المعروف بالصرامة والصعوبية، إلى قوامة (أبي) الأكثر صعوبية، فكانت لا تغادر البيت إلا من الحول للحول ول (الشديد القوي) وفي رفقة مأمونة، ولنا قريبة مجاملة من الطراز الأول، فكانت كلما حضرت لزيارتنا من الجزيرة تقوم بتحريش (أمي) وملأ رأسها بأفكار التمرد وتراودها بالعصيان المدني: هووي يا عشة .. أخير ليك تدخلي وتمرقي زيك وزي باقي النسوان .. الحبسة دي ما كويسة .. تمرضك وتكسرك وتسوس عضامك من قعاد الضل ..!! جاءت ذات مرة لزيارتنا مع ابنها الصغير، وطلبت من (أمي) بعد تناولهما الفطور ان ترافقها لزيارة بعض اقربائنا الذين كانوا يقيمون في احدى حارات الثورة .. خرجت الاثنتان مع الصغير ولم تعودا إلا في المساء مهدودات الحيل، عندما أحضرهم قريبنا بسيارته، فقد تاهن لعدة ساعات خيطن فيها دروب الثورات حارة .. حارة مشيا على أقدامهما، قبل أن تصلا لمقصدهما بالصدفة البحتة، وما ذاك إلا لان أمي ببساطة (راح ليها الدرب) ولم تستطع التمييز بين السابعة والتاسعة .. بعد حصولهما على بعض الراحة والانجقادة تبارت الاثنتان في الحكي عن روحتهما، ومعاناة الصغير الذي أجهده طول المشي فكان ينادي على (أمي) لتحمله عندما تتعب أمه من حمله وتنزله ليسير على قدميه: عشة .. شيليني يا عشة .. أنا تعبتا شديد. فتفعل، وعندما تتعب بدورها من حمله وكثرة المشي، ينزلق الصغير من جنبها وتتدلدل رجليه إلى الأرض فيحتج عليها: عشة ياخ شيليني صاح .. إنتي شايلاني غلط يا عشة !! لا أختلف عن (أمي) عليها الرحمة في كل ملابسات ظروفنا الحياتية !! فأنا لا أعرف الدروب والمواصلات ولا أحب الخروج من البيت .. ما تمشوا تقولوا الراجل حابسني وحاميني المرقة!! اضطرتني الظروف ذات مرة لإستعمال المواصلات عندما كنت ارغب في الذهاب لإدارة جامعة الأزهري .. طلبت من (زوجي) أن يضع لي خارطة الطريق، فوجهني لأن أركب حافلات بحري وستقف بي جوار الجامعة وقد كان .. كنت أشعر بثقة عالية في النفس طوال فترة ركوبي في الحافلة وإن كنت (اتلفت) زي الفاكنّو بي ضمانة، حتى مالت علي واحدة ضمن مجموعة حريم مترافقات لمشوار، سألتني قبل أن نصل ل شارع سعد قشرة: نحنا نازلين الفكي هاشم .. خلاص وصلنا؟ طبعا وجدتها فرصة سعيدة لاستعراض معرفتي بالدروب، فكما اسمع أن «الفكي» ده ساكن بعد «الخوجلاب» حيث يقيم بعض من أهلنا .. أجبتها بثقة شديدة: لالا .. الفكي هاشم دي بعيدة شديد من هنا.. اتخيل لي إلا تركبوا ليكم حاجة تانية!! وما اذهلني أنها تجاهلت كلامي وتجاوزتني لسؤال الكمساري، فأكد لها (ياها الفكي هاشم) وطقطق للسواق ليقف لهن وسط دهشتي ودوران رأسي الشديد.. وبعد رجوعي للبيت بالسلامة سألت (سيد الإسم): انت الفكي هاشم رحّلوها جنب سعد قشرة؟!! فظن بعقلي الظنون حتى حكيت له موقف الكمساري مع النساوين، وكيف انه انزلهن عند (فكي هاشم) جديدة تقع بالقرب من شارع سعد قشرة !! .. فتبرع بشرح الحصل، وهو أن السيدات كن يقصدن (موقف مواصلات الفكي هاشم)، فأطلاق المحل وارادة اداة الترحال إليه لغة يفهمها من يتعاطى المواصلات عمدا!!