سياسة التحرير الإقتصادي التي تبنتها الدولة في العام 1992م هنالك اختلاف حولها بين مؤيد ومعارض، لكن الجميع يتفق على أنها أحدثت وفرة في عرض السلع والخدمات وأنهت حقبة الندرة والإحتكار والصفوف أو ما يسمى بعهد الإقتصاد التحكمي الذي تسير عليه الدولة إلى إقتصاد الوفرة أو إقتصاد السوق الحر الذي يفترض أن يسيطر عليه القطاع الخاص والشركات بين الدولة والقطاع الخاص، حيث يلاحظ أن هنالك وفرة في السلع بالأسواق التي أصبحت تعاني من الركود والاغراق الذي إنتبهت إليه الدولة أخيراً واصدرت قانوناً لمكافحة الأغراق. ولكن بمقابل هذه الإيجابيات لسياسات التحرير هنالك سلبيات لهذه السياسة يتأثر منها العاملون الذين تم تشريدهم وبعضهم لم يتسلم حقوقهم وكان آخرهم العاملون بالبريد والبرق، ولعل من بين القطاعات التي تأثرت بسياسة التحرير والخصخصة سلباً هو القطاع الزراعي، حيث نصت سياسات التحرير على خصخصة المؤسسات الزراعية وشرعت الحكومة في تنفيذه السياسات وتمت خصخصة مؤسسة (جبال النوبة الزراعية والنيل الأبيض والشمالية والنيل الأزرق الزراعية وغيرها) من المشاريع الزراعية التي كان آخرها مشروع الجزيرة الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن وأصبح مناخاً خصباً للحملات الإنتخابية للمرشحين للتباري في العبارات التي يقصد منها في المقام الأول والأخير (دغدغة مشاعر الناخبين) ولكن رؤية الدولة ماضية في هذا المشروع الى آخرها بدليل تبني الدولة لشراكات مع القطاع الخاص لجذب التمويل الخارجي والمحلي للإستثمار في المشروع أي في (أراضي ملاك مشروع الجزيرة) بعد سداد مستحقات هؤلاء الملاك وسداد التعويضات المتفق عليها في حالة نزع أراضيهم للمصلحة العامة بقيمة تفوق ال (3) آلاف جنيه للفدان وبالتالي تسهل عملية الاستثمار لأراضي الملاك التي تشكل (42%) من مساحة مشروع الجزيرة البالغة (2.2) مليون فدان ويقضي الله أمراً كان مفعولاً، عموماً قضية مشروع الجزيرة معقدة وشائكة ولا أعتقد أنها بذات السهولة التي يخطط لها (التكنوقراط) لإرضاء السياسيين وجذب المستثمرين بل هي قضية مجتمع مدني متحضر ومستقر ويملك قوته وبالتالي يملك قراره بأنه باقٍ في أرضه ولن يفرط فيها بإذن الله. وإذا عدنا لفشل الخصخصة في المشاريع الزراعية والتي يؤكدها الواقع بأنها فشلت في مشاريع النيل الأبيض التي تفوق ال (220) مشروعاً زراعياً كانت تسمى (مشاريع الإعاشة) لزراعة المحاصيل الزراعية والأرز خاصة وتمت خصخصتها وآلت بعد تأهيلها إلى المزارعين الذين فشلوا في إدارتها لتعود مجدداً إلى إدارة الدولة تحت ما يسمى بمشاريع الأيلولة والآن تخطط الدولة لخصخصتها بالبحث عن شريك بعد أن شرعت الدولة مع الشريك الجديد (شركة سكر كنانة) لإدارة المشاريع الزراعية وبدأت تنفيذ هذه السياسة في مشروعي الرهد والسوكي وبعد ان آلت إدارة مكون الري والزراعة لكنانة لمدة (20) عاماً قابلة للإلغاء في ال (5) سنوات الأولى إذا فشلت التجربة يمكن أن تنقل هذه التجربة إلى مشاريع النيل الأبيض الزراعية ومشروع الجزيرة، كما ذكر هذا قيادات العمل الزراعي بالبلاد في إغفال توقيع كنانة على إدارة مشروعي الرهد والسوكي قبل أشهر، والآن بعد نجاح كنانة في استقطاب مستثمر مصري ودشنت صندوق محاصيل برأسمال مليار دولار أصبح الطريق امامها سالكاً لإدارة بقية المشاريع الزراعية وتعميم التجربة الجديدة للشراكة والتي ستعمل محل الخصخصة التي فشلت في النهوض بالقطاع الزراعي ونأمل أن تنجح الشراكة الجديدة مع كنانة في أن تحل محل الخصخصة ليصبح القطاع الزراعي الرائد في دعم الاقتصاد الوطني ويقود بقوة للإهتمام بالزراعة ليصبح إقتصادنا زراعي بالدرجة الأولى.