في أول تعليق له على قرار الحركة الشعبية بوضع حد لمشاركته في السباق الرئاسي الوشيك، حاول ياسر عرمان الايحاء بوجود تنسيق وتناغم بين حركته وأحزاب المعارضة (تحالف جوبا) يقضى بانسحاب جميع المرشحين للرئاسة، رغم أن التحالف تفاجأ بسماع نبأ انسحاب عرمان من الفضائيات، في وقت كان ينتظر وصول ممثلي الحركة لبحث قرار المقاطعة في غرفة مغلقة. ولكن ايحاءات عرمان وتبريراته، لم تصمد لأكثر من 24 ساعة، اذ خرج قائده سلفاكير ووضع النقاط على الحروف، حيث كشف في لقاء جماهيري بالبحيرات بكلمات قاطعة لا لبس فيها ولا غموض سحب الحركة لمرشحها من السباق الرئاسي لصالح المؤتمر الوطني حفاظاً على السلام ودعماً له، ولتجنيب البلاد مخاطر الخلافات والمشاكل، بل وجه الجنوبيين بالتصويت لصالح البشير، الذي عزز في لقاء جماهيري بسنار، ما ذهب اليه نائبه الأول في البحيرات، بتأكيده حدوث اتفاق بين الشريكين «للمضي قدماً في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل لآخر يوم». وإن كانت الحركة حسمت أمرها ولعبت ل «صالح ورقها»، فان المعارضة، لا زالت في حيرة من أمرها، بعد أن لدغت من جحر الحركة للمرة الثانية بعد الأولى في نيفاشا. ونظرة عجلى في مواقف هذه الأحزاب وبخاصة الحزبين الكبيرين بحسابات 1986 تظهرها وكأنها غير مدركة لعامل الزمن، ولا تعرف ما تريد، فالميرغني، ظل يتحدث حتى أمس الاول إن موقف حزبه من المشاركة أو مقاطعة الانتخابات لا زال (محل بحث)، فهو من جهة في انتظار موقف بقية الأحزاب، ومن جهة أخرى يطلب من البشير الإجتماع برؤساء الأحزاب « إن كانوا على صواب يقره وان كانوا على خطأ يردهم عنه»، وفي الوقت ذاته تتحدث الانباء عن أن نجله بصدد مرافقة البشير في جولة مرتقبة الى كسلا (أحد أكبر معاقل الختمية)، وليس بالضرورة إن تمت الزيارة أن يصدر نجله توجيهاً مباشرًا للقواعد(الذكية اللماحة) بالتصويت للبشير، ففي مثل هذه الحالات تغني الاشارة عن التوجيه الذي يحرج القيادة. وبالمقابل فان الصادق قرر مواصلة حزبه لحملته الانتخابية في جميع المستويات حتى الثلاثاء المقبل(6 أبريل) في انتظار الاستجابة لحزمة من الشروط، تشي ببعض التراجع وإن شئت المجاملة قل بعض المرونة في المواقف المعلنة، وبخاصة الشرط الأخير الذي يتحدث عن تمديد موعد الإقتراع أربعة أسابيع، وشتان بين مطلب المهدي الجديد بتمديد الاقتراع لشهر ومطلبه السابق بتأجيل العملية الانتخابية برمتها لسبعة أشهر. بقي أن نقول إن توجيه سلفاكير للجنوبيين بالتصويت للبشير يدعم الاستنتاجات القائلة بأن الانسحاب الداوي والمفاجئ لمرشح الحركة من السباق الرئاسي، يأتي ضمن صفقة بين الشريكين، تتيح للمؤتمر الوطني اكتساح الانتخابات والإستفراد بحكم الشمال لأربع سنوات قادمات على أقل تقدير مقابل السماح للحركة في يناير المقبل بإدارة عملية الاستفتاء على تقرير المصير بالطريقة التي تضمن لها بعد آخر يوم من اتفاقية السلام إقامة دولتها في الجنوب بسلاسة ويسر، وربما برعاية الولاياتالمتحدة التي أظهرت حرصاً بائناً على قيام الانتخابات في موعدها، بعد أن تحول مبعوثها للسودان سكوت غريشن في اليومين الماضيين الى وسيط يزين للقوى السياسية جدوى المشاركة، دون أن يلقى بالاً لشكاوى المعارضة وتشكيكها في حياد المفوضية القومية للانتخابات.