أينما وكلما اجتمع الناس في أية مناسبة- أفراح ومآتم- وحتى أمام ستات الشاي حيث يتجمع حولها العطالى من المواطنين، فان الونسة دائماً تدور حول موضوع يشارك فيه الحضور: العمالة الوافدة التي بدأت منذ سنين تغزو البلاد على نحو يثير القلق والغضب. أهل البلد يتفرجون على العمال الأجانب وهم يعملون بهمة ونشاط وحماس يحسدهم عليها شبابنا وشيبنا في مؤسسات القطاع العام والخاص. وفي المصانع والمزارع وتشييد الطرق والجسور.. ويكنسون ردهات المستشفيات الخاصة وحتى الحكومية- تراهم يعملون خدماً وسائقي سيارات «ودادات» في بيوت الأسر الغنية وحتى في منازل العوائل محدودة الدخل. ونجدهم في المطاعم والمقاهي والكافتريات التي تدار بعضها ومملوكة في بعض الأحيان ب«إصطاف»- طاقم كامل من الأجانب.. رجالاً ونساءً وصبية وفتيات في عمر الزهور.. أينما تذهب فإنك تلتقي بوجوه غريبة. ومن الطبيعي ان ترتفع الأصوات بالشكوى والتذمر إزاء هذا الوجود الأجنبي المكثف الذي يتنامى يوماً بعد يوم. بعض المواطنين يقولون ان السلطات المختصة في البلاد تتساهل مع القطاع الخاص ويذهب بعضهم أبعد من ذلك فيتهمون السلطات بالتواطؤ مع القطاع الخاص وتسمح له باستقدام العمالة الأجنبية بالجملة والقطاعي. بل ان وكالات متخصصة في هذا المجال نشطت في الآونة الأخيرة وتكاثر عددها لدرجة ان صديقاً قال لي: «لو عايز ليك خدامة في البيت ممكن نطلب ليك بالتلفون وفي غضون ساعات تكون عندك». ومن الطبيعي أيضاً ان يتذمر المواطنون لان غالبية العمالة الوافدة يشتغلون في أعمال هامشية بينما أهل البلد يعانون من العطالة المزمنة.. حتى بين عشرات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد العليا ويزداد عددهم كل عام بآلآف الخريجين الجدد، وهؤلاء يعتقدون أنهم أحق بهذه الوظائف مهما تكن هامشية. إلاّ ان المشكلة الحقيقية ان غالبية أهل القطاع الخاص وللأسف بعض المسؤولين في المؤسسات الحكومية يفضلون العامل الوافد لانه كما إدعى أحدهم يتفانون في العمل ويحترمون المواعيد و«ما بينقو» كما يفعل رصفاؤهم السودانيون ولا يحتج إذا كلف بعمل إضافي. ولكن كثيراً من المواطنين يعتقدون ان السبب الحقيقي لرغبة القطاع الخاص في العمالة الأجنبية «أنها رخيصة»، وان مؤسسات القطاع الخاص وحتى بعض المرافق العامة تضرب بقوانين العمل في البلاد بعرض الحائط بينما يقول ان أصحاب المصانع والمزارع والمستشفيات الخاصة والعامة وحتى المدارس الخاصة - القطاع الخاص عموماً- غالبيتهم يستغلون ثغرات في قوانين العمل ليس فقط إزاء العمالة الأجنبية ولكن أيضاً في التعامل مع العمالة المحلية، فيفرضون على الجميع شروط خدمة مجحفة. ولكن مهما تكن الحقيقة في هذه الإدعاءات فإن السلطات المختصة وبالتحديد وزارة العمل عليها ان تسد أية ثغرات من قوانينها لردع القطاع الخاص وإرغامه على الإلتزام بهذه القوانين، ففي غياب القوانين لا يمكن إحتواء هذه المشكلة.