لا أخفي ان متابعتي لسيرة ومسيرة فارسة باكستان ورئيسة الوزراء وزعيمة المعارضة بي نظير علي بوتو التي اغتيلت في انفجار دموي عنيف ووسط حشود كبيرة بعد عودتها من المنفى القسري إلى بلادها لتقود عملية التحول الديمقراطي لتخوض الانتخابات العامة التي سبق وأن حرمت بالقانون العسكري من ممارستها على اي مستوى، جاء نتيجة إهتمامي بوالدها ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء المنتخب الذي جاء للسودان في مطلع السبعينيات وقد أحسن الرئيس جعفر نميري استقباله وأعد له برنامجاً حافلاً للتعرف على معالم وآثار السودان، وكان بوتو الأب يرى في السودان، دولة مهمة، بموقعها ومواردها وامكانياتها وان هنالك مجالات واسعة للتعاون الاقتصادي والتجاري، فان باكستان تشتري القطن من السودان، والذي كان يستورد منها الخيش للقطن والمحاصيل النقدية الأخرى، وكذلك رأى في تلك الفترة المبكرة، إمكانيات جيدة لتبادل الخبرات والزيارات مما يقوي الصلات الثنائية، وكذلك رأى ان هذه الصلات إذا تحولت إلى مساعٍ مشتركة قوية فان باكستان التي اتجهت إلى الصناعة بمقدورها عبر السودان تصدير منتجاتها لافريقيا، فمنتجاتها جيدة وأسعارها أقل بكثير من أي دول أخرى، ويقول من رافقوه في زيارته للخرطوم إنه كان أكثر ميلاً للإصغاء والتأمل، والحوار إذا وجد من يحاوره في قضايا محاربة الفقر، والأمية، وتوفير الخدمات الحيوية لكل أسرة في دول العالم الثالث. وكان من الواضح كرجل دولة انه قادر على إتخاذ القرار، فعند لقائه بزعيم بنغلاديش الذي اغتيل لاحقاً، وكانت جزءاً من الباكستان، وبعد حوار وصبر، وافق على انفصال بنغلاديش، فليس من المصلحة ولا فائدة يمكن ان تعود على أي منهما اذا رأى طرف ان الانفصال أو الاستقلال هو ما يناسبه، وقد قيل إنه بعد اتخاذ قراره وودع الرئيس المرتقب للدولة الجديدة وقد حلمته الطائرة الى بعيد أنه أخذ يتساءل هل أخطأ أم أصاب؟ وأثناء زيارته قدم هدية قيمة للسودان تعكس صناعتها الماهرة والحضارة الباكستانية، وهي الآن ضمن المقتنيات اللافتة في متحف القصر الجمهوري بالخرطوم. وبعد عودته لبلاده وقع انقلاب الجنرال ضياء الحق الذي عطل الدستور وحل المؤسسات الدستورية المنتخبة ثم أخذ في ملاحقة علي بوتو واتهمه بقتل أحد المعارضين له، وحكمت المحكمة المعنية بالإعدام على السياسي والمفكر ورجل الدولة ذو الفقار علي بوتو بالاعدام، ورغم مناشدة دول إسلامية وعربية وافريقية وأوروبية، وكان في مقدمتهم السودان الذي قد استضاف لتوه ذو الفقار في عاصمته فإنه رفض الاستجابة أو حتى التأجيل أو تعديل الحكم من الإعدام إلى السجن ونفذ فيه حكم الإعدام، وفي وقت لاحق لقى الجنرال ضياء الدين مصرعه في حادثة طائرة، ومنذ إعدام الأب بوتو في السبعينيات وأخيراً ابنته الزعيمة الغالية بي نظير في 2007م، فان سيل القتل والعمليات الانتحارية والتفجيرات والدمار في هذا البلد العريق لم تتوقف. لقد اغتالوا- أي العناصر المتطرفة والإرهابية- الحلم الذي كانت تمثله بي نظير علي بوتو بالنسبة لشعب باكستان الراغب في السلام والاستقرار والخدمات والرفاهية.