في ازمان سابقة مهن ينتظرها الناس بشيء من الصبر في مواسم معينة حتى بات ظهورها مرتبطاً بمناسبة. فبائع «العدة» يمتطي صهوة حماره جائلاً في شوارع الحي عند قرب شهر رمضان فتأتيه النساء ويتجمعن حوله تحت ظل شجرة وارفة للبحث عن مقتنيات لشهر ذي خصوصية ويأخذ من الوقت ما هو كاف، للمفاصلة في الثمن حيث يظهر صاحب العدة قدرة فائقة في التعامل تلك المظاهر لم تعد تنتظر موسمها فقد صارت في كل زمان ومكان فبائع العدة يجوب طرقات الحي طارقاً على الابواب. ليس «ببيع العدة» وحده فهنالك من المهن التي حولها الزمن من مربع الموسمية الى ديمومة العرض منها صناعة الخبائز التي كانت تجهز افرانها قرب مواسم الأعياد، ولكن فيما يبدو ان التغيير الذي طرأ على إيقاع الحياة جعل صناعة الخبائز رائحة تفوح من الافران في كل المواسم حتى داخل المنازل فقد اصبحت تجارة ومهنة لربات منازل كثر.. نسبة لاتجاه كثير من الاسر نحو تناول الشاي بالبسكويت البلدي بدلاً عن «الزلابية» في وقت سابق ربما كان ذلك بفعل الزمن وضيقه الذي يحاصر به الاسر. فعهد المواسم للمهن شارف الإنتهاء بعد ان هزم بعضها عامل المناخ «كالداندرمة» التي كانت تظهر في فترة الصيف كنوع من المبردات.. فالتحول الذي يعيشه المجتمع اثر في تغيير السلوك وانماط المعيشة خاصة في الجوانب الغذائية عندما كانت الخضروات مرتبطة بموسم معين يصعب الوصول اليها في غير موسمها حتى تغنى بها البعض في اشعارهم لما تأخذه من صفة.. انها غالية وعزيزة. فقد كان الناس يجدون متعة في ذلك المزيج من اختفائها حيناً وظهورها بكثرة حيناً آخر.